مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ(160)

 

 

هناك "حسن" ، و"حسنة" ولا تقل : إن حسنة هى مؤنث حسن ، لأن فيها تاء كأنها تاء التأنيث ، ولكن إسمها "تاء المبالغة" تأتى على اللفظ الذى للذكر ، مثلما تقول : "فلان علامة" و "فلان راوية للشعر" وفلان نسَّابة . هذه هى تاء المبالغة .

والحسنة هى الخير الذى يورث ثواباً ، وكلما كان الثواب أخلد وأعمق كانت الحسنة كذلك . وإذا قال الحق سبحانه وتعالى : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } .

فـ "أمثالها" جمع "مثل" والمثل مذكر والقاعدة تقول : حين يكون المعدود مذكراً نأتى له بالتاء ، وحين يكون مؤنثاً نحذف التاء لأن أصل الأعداد مبنى على التاء ،لأنك عندما تقول واحد أثنان ثلاثة إلى عشرة فأصل الأعداد مبنى على التاء ، وإذا استعملته مع المؤنث تخالف بحذف التاء فيه ، وإن أستعملت العدد مع الأصل وهو المذكر ، تستعمله على طبيعته فتقول : "ثلاثة رجال".

وإذا أردت أن تتكلم عن الأنثى تقول "ثلاثة نسوة" ، والحق هنا يقول : {فله عشر أمثالها} ،و"مثل" – كما قلنا- مذكر . والحق لم يجعل الأصل فى العطاء هو "المثل" ، بل جعل الأصل هو الحسنة :

{مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا (160)} (سورة الأنعام)

وهذا هو مطلق الرحمة والفضل . ولذلك ورد الحديث القدسى : عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى – " إن ربكم عز وجل رحيم . من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشراً إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة ، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له واحدة أو يمحوها الله عز وجل ولا يهلك على الله إلا هالك " رواه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى .

ونعرف أن الحق يجزى الحسنة بعشر أمثالها ويضاعف ذلك إلى سبعمائة ضعف ، لأن كل فعل تلازمه طاقة من الإخلاص فى نفاذه ، فكأن الحق قد وضع نظاماً بأن الحسنة بعشر أمثالها ، ثم بالنية المخلصة تبلغ الأضعاف إلى ما شاء الله . وقد وضع الحق هذا النظام ، لأنه جل وعلا يريد للحسنة أن تُفعل ، وينتفع الغير بها ، فإن كان فاعلها حريصاً على الأجر الزائد فهو يقدمها بنية مخلصة ، ويقول الحق لنا :

{مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ(11)} (سورة الحديد)

ويقول إيضاً :

{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} (من الآية 245 سورة البقرة)

ويحدد هنا جزاء الحسنة بأن ثوابها عشر أمثالها ، ونية معطى الحسنة هى التى يمكنها أن تضاعفها إلى سبعمائة أو يزيد . والحق سبحانه وتعالى يعطى مثلاً لذلك فى قوله تعالى :

{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} (من الآية 261 سورة البقرة)

وإذا كانت الأرض وهى مخلوقة لله تعطيها أنت حبة فتعطيك سبعمائة فماذا يعطى خالق الأرض؟ إن عطاءه غير محدود ولا ينفد ، ولذلك يقول سبحانه :

{وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ} (من الآية 261 سورة البقرة)

ويتابع الحق سبحانه :

{وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}

(من الآية 160 سورة الأنعام)

وما دام لا يجزى إلا مثلها فهم لا يظلمون أبداً .