قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(164)

 

 

معنى الرب أنه هو الذى تولى التربية ، وله السيادة وكل شئ فى الوجود مربوب لله فكيف أخذ شيئاً من الأشياء التى هو ربها وخالقها ليكون شريكاً له ؟!!

إن ذلك لا يصلح أبداً . {قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي}.

وهذا إنكار يأتى فى صورة استفهام من كل سامع وكأن الحق يقول لكل منا :

أعرض هذا على ذهنك عرضاً متحيز وأنا سأئتمنك على الجواب . ولا تقال ذلك إلا وقد تأكد أن الجواب يكون : لا فلو كان الجواب يحتمل هذه أو تلك لما آمنك على الجواب . وكأنه يقول : إن أى عاقل يجيب على هذا السؤال سيوافقنى فى أنه لا ينبغى أن يتخذ غير الله رباً .

{قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} (من الآية 164 سورة الأنعام)

و"أبغى" أى أطلب ، و"تكتسب" مأخوذة من مادة "كسب" ، و"اكتسب" و"كسب" دائماً تأتى فى الخير – كما علمنا من قبل – و"اكتسب" تأتى فى الشر ، لكن هناك أناس يعتادون على فعل السيئات ولم تعد تكلفهم شيئاً فكأنها لسهولة ذلك عليهم تعتبر كسباً ومن الحمق أن تقول هذا كسب ، وهو عليك وليس لك ، لأنك حين تنظر إلى التسمية نفسها تفهم أنها ليست رصيداً لك بل عليك .

{وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

(من الآية 164 سورة الأنعام)

والوزر هو الحمل الشاق ، وإن اشتق منه شئ فإن المشقة والصعوبة تلازمه ككلمة "وزير" والحق هو القائل :

{وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي(29) هَارُونَ أَخِي(30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(31)} (سورة طه)

كأن موسى عليه السلام عرف أن حمل الرسالة إالى اليهود عملية شاقة فقال لله : أطنى أخى يساعدنى فى هذه المشقة .

والحق هو القائل :

{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ(1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ(2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ(3)}

وكان النبى عليه الصلاة والسلام فى أول استقباله للوحى قد عانى من وقع هذه العملية وكان أمرها شاقاً عليه ، لأن المسألة تقتضى التقاءات مَلَكية ببشرية ، ولابد أن يحدث تفاعل وهذا التفاعل الذى كان يظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحمر وجهه ويتصبب منه العرق وبعد ذلك يقول : زملونى زملونى ودثرونى ، وإن كان قاعداً وركبته على ركبة أحد بجانبه فيشعر جاره بالثقل وإن كان على دابة تئط وتئن تعباً لأن التقاء الوحى برسول الله صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى أمرين :

إما أن يتحول الوحى وهو حامل الرسالة إلى بشرية مماثلة لبشرية الرسول ، وإما أن الرسول ينتقل إلى ملائكية تتناسب مع استقباله للملك . وهكذا كان التقاؤه بالملكية يتطلب إنفعالاً وتفاعلاً.

لكن لما أنس صلى الله عليه وسلم بالوحى عرف حلاوة استقباله نسى المتاعب ، ولذلك عندما فتر الوحى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتاق إليه . وكان الوحى من قبل ذلك يتبعه ويجهده فأراد الحق سبحانه وتعالى أن يبقى فى نفسه حلاوة ما أوحى به إليه ، وتهدأ نفسه وترتاح ويشتاق إلى الوحى ، فإذا ما استقبل الوحى بشوق فلن يتذكر المتاعب .

{وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(164)} (سورة الأنعام)

 

إذن مادة الوزر هى الثقل بمشقة ، أى لا يحمل إنسان مشقة ثقيلة عن آخر ، فالمسؤلية لا تتعدى إلا إذا تعدى الفعل وعرفنا من قبل الفارق بين من ضل فى ذاته ومن أضل غيره ليحمل أوزاره مع أوزارهم لتعديه بإضلالهم . وسنعود جميعاً إلى ربنا لينبئنا بما كنا فيه نختلف .