وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ

مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)

 

وساعه ما تسمع : ( وإلى عاد أخاهم هوداً ) أى أرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً , و (( أخاهم )) موقعها الإعرابى (( مفعول به )) ويدلنا على ذلك قوله فى الآية السابقة : ( أرسلنا نوحا ) , وكذلك أرسلنا إلى عاد أخاهم هودا وكلمه (( أخاهم )) تُشْعرُ بأشياء كثيرة , إنه من جنسهم , ولغته لغتهم , وأنسهم به , ويعرفون كل شئ وكل تاريخ عنه , وكل ذلك إشارات تعطى الأنس بالرسول , فلم يأت لهم برسول أجنبى عاش بعيداً عنهم حتى لا يقولوا : لقد جاء ليصنع لنفسه سيادة علينا . بل جاء لهم بواحد منهم وأرسل إليهم (( أخاهم )) وهذا الكلام عن ((هود)) .

إذن كان هود من قوم عاد , ولكن هناك رأى يقول : إن هودا لم يكن من قوم عاد , ولأن الأخوة نوعان : أخوُة فى الأب القريب , أو أخوة فى الأب البعيد , أى من جنسكم , من آدم , فهو إما أخ من الأب القريب , وإما أخ من الأب البعيد .وقد قلنا من قبل : إن سيدنا معاوية كان يجلس ثم دخل عليه الحاجب فقال : يا أمير المؤمنين , رجل بالباب يقول إنه أخوك , فتساءلت ملامح معاوية وتعجب وكأنه يقول لحاجبه : ألا تعرف إخوة أمير المؤمنين؟ وقال له : أدخله , فأدخله . قال معاوية للرجل : أى إخوتى أنت ؟! قال له : أخوك من آدم .

فقال معاوية : رحم مقطوهة – أى أن الناس لا تنتبه إلى هذه الأخوه – والله لأكونن أول من وصلها .

 

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)          سورة الأعراف

 

ونلحظ أن الحق قال على لسان سيدنا نوح لقومه :

 

(فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )  من الأيه(59) سورة الأعراف

 

وأرسل الحق هوداً الى عاد , لكن قول هود لقوم عاد يأتى : ( قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ) .

وهنا (( قال )) فقط من غير الفاء , وجاء فى قول نوح : (( فقال )) . وهذه دقة الأداء لننتبه , لأن الذى يتكلم إله ورب , فتأتى مرة ب (( فاء )) وتأتى مرة بغير (( فاء )) رغم أن السياق واحد , والمعنى واحد والرسول رسول , والجماعه هم قوم الرسول . ونعلم أن (( الفاء )) تقتضى التعقيب , وتفيد الإلحاح عليهم , وهذا توضحه سورة نوح , لأن الحق يقول فيها :

 

قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)              سورة نوح

 

إذن فالفاء مناسبة هنا , لكن فى مسألة قوم هود نجد أن سيدنا هوداً قال لهم مرة أو أثنتين أو ثلاث مرات , لكن بلا أستمرار وإلحاح , وهذا يوضح لنا أن إلحاح نوح على قومه يقتضى أن يأتى فى سياق الحديث عنه ب:((فقال)) وألا تأتى فى الحديث عن دعوة سيدنا هود . وقد يتعجب الإنسان لأن مدة هود مع عاد لا تساوى مدة نوح مع قومه , وقد جاء الإيضاح بزمن رسالة سيدنا نوح فى قوله الحق :

 

( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا )          من الآية (14) سورة العنكبوت

 

ظل سيدنا نوح قُرابة ألف سنة يدعو قومه ليلاً ونهاراً سراً وعلانية , لكنهم كانوا يفرون من الإيمان , لذلك يأتى الحق فى أمر دعوة نوح بالفاء التى تدل على المتابعة . أما قوم عاد فلم يأت لهم ((بالفاء)) . بل جاء ب ((قال)):

 

(وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )               من الآية (65) سورة الأعراف

 

وقال نوح من قبل :

 

(يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)        من الآية(59) سورة الأعراف

 

وفى مسألة قوم عاد قال : ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ) .

ومع أن الأسلوب واحد والمعانى واحدة , وكان ذلك يقتضى الإنذار , لكن لم يقل الحق ذلك , لأن نوحاً كان عنده علم بالعذاب الذى سوف ينزل , لأنها كانت أول تجربة , ولكن سيدنا هود لم يكن عنده علم بالعذاب .

العمليه التى حدثت لنوح مع قومه وإهلاكهم بالغرق كانت أولية بالنسبة له , بالله سبق أن أعلمه بها , وحين ذهب هود إلى قوم عاد كانت هناك سابقة أمامه , وأخذ ربنا المكذبين لنوح بالعذاب , لذلك ألمح سيدنا هود فقط إلى احتمال العذاب حين قال : ( أفلا تتقون ) . أى أن العذاب قد ينتظركم وينالكم مثل قوم نوح .

ويقول الحق بعد ذلك :

قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي

سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66)