فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ

كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)

 

ونلحظ أن الحق قد بين وسيلة نجاة سيدنا نوح : ( فكذبوه فأنجيناه والذين معه فى الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ) . أما هنا فى مسألة عاد فلم يوضح لنا وسيلة النجاة , بل قال سبحانه :

 

(فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)        سورة الأعراف

 

وقوله : ( فأنجيناه 9 تدل على أن عذاباً عاماً وقع , إلا أن ربنا أوحى لسيدنا هود أن يذهب بعيداً عن المكان هو والذين معه قبل أن يقع هذا العذاب . وكان العرب قديماً إذا حزبهم أمر , أو دعتهم ضرورة إلى شئ خرج عن أسبابهم يذهبون إلى بيت الله , ليضرعوا إلى الله أن يخلصهم منه , حتى الكفرة منهم كانوا يفعلون ذلك . كما حدث من عاد حين أرسل الله لإليهم سيدنا هوداً نبياً فكذبوه وازدادوا عتّوا وتجبراً فأصابهم جدب وظل ثلاث سنوات فما كان منهم ألا أن فزعوا إلى الكعبة لكى يدعوا ربهم أن يخفف عنهم العذاب , وذهب واحد منهم اسمه (( قيل بن عنز )) وآخر اسمه (( مرثد بن سعد )) الذى كان يكتم إسلامه على رأس جماعه منهم إلى مكة , وكان لهم بها أخوال من العماليق , من أولاد عمليق بن لاوث بن سام بن نوح , وكانوا هم الذين يحكمون مكة فى هذا الوقت , وعلى رأسهم واحد اسمه (( معاوية بن بكر )) , فنزلوا عنده , واكرم وفادتهم على طريقه العرب , وأستضافهم ضيافة ملوك وأمراء , وجاء لهم بالقيان والأكل والشراب , فأستمرأوا الأمر , وظلوا شهراً , فقال معاوية بن بكر : لقد جاءوا لينقذوا قومهم من الجدب وما فكروا أن يذهبوا إلى الكعبة , ولا فكروا أن يدعوا ربنا وأخاف أن أقول لهم ذلك فيقولوا إنه ضاق بنا . وتكون سبّه فىّ . وأخذ يفكر فى الأمر . وكان عنده مغنيتان اسمهما (( الجرادتان )) . فقالت المغنيتان : قل فى ذلك شعراً , ونحن نغنيه لهم : فقال معاوية :

 

ألا يا قيل ويحك قم فهينم
 

لعل الله يمطرنا غماماً
  

فيسقى أرض عاد إن عادا
 

قد أمسوا لا يبينون الكلاما
  

 

فلما غنتا , والغناء فيه ترديد وخصوصاً إذا كان غناءُ موجهاً (( ألا قيل ويحك قم فهينم )) وهينم : أى ادعوا الله , ألم تحضر من أجل الدعاء لعل الله يمطرنا الغمام على أرض عاد , وينتهى الجدب , وقد بلغ منهم الجهد أنهم لا يبينون الكلام , فتنبه القيل , وتنبه مرثد بن سعد , وكان قد نمى إلى علم (( القيل )) أن مرثد بن سعد مؤمن بهود عليه السلام , فرفض أن يصحبه معه , وبالفعل ذهب قيل وأخذ يدعوا الله , فسمع هاتفاً يقول له : (( أختر لقومك )) وقد رأى سحابة سوداء وسحابة حمراء وسحابة بيضاء , ونبهه الهاتف أن يختار سحابة تذهب لقومه من بين الثلاثة , فأختار السحابة السوداء , لأنها أكثر السحاب ماء , وهو على قدر اجتهاده اختار السحابة السوداء , وعادوا لبلادهم ليجدوا السحابة السوداء فقال لهم : أنا أخترت السحابة السوداء لأنها توحى بماء كثير منهمر , وقال الحق فى هذا الأمر :

 

(فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا )             من الآية (24) سورة الأحقاف

 

أى أن هذه هى السحابة التى قال عليها : (( قيل )) سوف تعطينا المطر .

فيرد الحق عليهم ويقول لهم :

 

(بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ  )َ

                                                                              من الآية 24 ومن الآية 25 سورة الأحقاف

 

إذن فقولهم السابق لسيدنا هود الذى أرده الحق هنا فى سورة الأعراف :

 

(فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ )                              من الآية (70) سورة الأعراف  

 

أى أن عذابهم يتأكد بالمطر والريح الذى جاء به قول سيدنا هود هنا فى سورة الأعراف : ( قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب ) . ولم يفلت من العذاب إلا من آمن مصدافاً لقولة الحق :

 

فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)       سورة الأعراف

'

لقد يسر الحق الانقاذ لسيدنا هود ومن آمن معه ليهجروا المكان لحظة ظهور السحاب , فقد سمع هود هاتفاً يؤكد له أن فى هذا السحاب العذاب الشديد , فأخذ الجماعه الذين آمنوا معه وهرب الى مكه , وتم إهلاك الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب رسولهم ورفضهم الإيمان بربهم .

ويقوا الحق بعد ذلك :

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ

 مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ

لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا

 بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)