وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ

 مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ

لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا

 بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)

 

لقد قال سيدنا صالح لثمود مثلما قال سيدنا هود لعاد , وحمل لهم الأنذار ليتقوا فيرحموا , قال سيدنا صالح : ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ).

إذن فالإنذار للتقوى وللوصول إلى الرحمه والفلاح , ولذلك أقول دائماً : إن القرآن حينما يتعرض لأمر قد لا يأتى به مفصلا ولكن سياقه يوحى بالمراد منه , ولا يكرر وذلك ليربى فينا ملكة الاستيقاظ إلى استقبال المعانى. والمثال على ذلك فى قصة الهدهد مع سيدنا سليمان , يقول القرآن على لسان سيدنا سليمان :

 

(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)                   سورة النمل

 

ويهدد سيدنا سليمان الهدهد قائلاً

 

( لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ)ٍ                                       من الآية (21) سورة النمل

 

ثم جاء الهدهد ليقول :

 

( وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ )                                             من الآية  (22) سورة النمل

 

ثم أرسل سيدنا سليمان الهدهد إلى قوم سبأ قائلاً :

 

اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)                سورة النمل

 

وبعد هذه الآية مباشرة قال القرآن :

 

 قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)                                       سورة النمل

 

وكأن الهدهد قد ذهب بالكتاب , ورماه إلى ملكة سبأ , وقالت هى الرد مباشرة . إذن لم يكرر القرآن ما حدث  , بل جعل بعضاً من الأحداث متروكاً للفهم من السياق . وكذلك هنا فى قوله الحق :

 

(وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا)           من الآية (73) سورة الأعراف

 

وكلمة (( أخاهم )) هنا تؤكد أن سيدنا صالحاً كان مأنوساً به عند ثمود , ومعروف التاريخ لديهم , وسوابقه فى القيم والأخلاق معروفه لهم تماماً وأضيفت ثمود له لأنه أخوهم . وقد جاءت دعوته مطابقة لدعوة نوح وهود .

 

(قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)                            من الآية ( 73) سورة الأعراف

 

والبينة هى الدليل على الصدق فى البلاغ عن الله , وهى الناقه . فما قصة الناقة ؟ هل خرج لهم بناقة ونسب ملكيتها لله ؟ بطبيعة الحال , لا , بل لابد أن تكون لها قصة بحيث يعلمون أن هذه الناقة ليست لأحد من البشر . وحين قام سيدنا صالح بدعوته , تحداه الساده من قومه , وقالوا : نقف نحن وأنت , نستنجد نحن بآلهتنا , وأنت تستنجد بإلهك , وإن غلبت آلهتنا تتبعنا , وإن غلب إلهك نتبعك , وجلسوا يدعون آلهتهم , فلم يحدث شئ من تلك الألهة , وهنا قالوا لسيدنا صالح : إن كنت صادقاً فى دعوتك , هذه صخرة منفردة أمامك فى الجبل اسمها (( الكاثبة )) فليخرج ربك لنا من هذة الصخرة ناقة هى عشراء كالبخت – أحسن أنواع الإبل - , فدعا الله سبحانه وتعالى , وانشقت الصخرة عن الناقة , وخروج الناقة من الصخرة لا يدع مجالاً من الشك فى أنها آية من الله ظهرت أمامهم . إنها البينة الواضحة . لقد انشقت الصخرة عن الناقة ووجدوها ناقة عشراء , وَبْرَاء – أى كثيرة الوَبَر – يتحرك جنينها بين جنبيها ثم أخذها المخاض فولدت فصيلا , وهكذا تتأكد الآية الإلهية دون أن يجرؤ أحد على التشكيك فيها , وهى ناقة من الله وهو القائل :

( نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا)                 من الآية (13) سورة الشمس

 

وأوضح لهم سيدنا صالح أنها ناقة الله , وترونها رؤية مشهدية وهذة الناقة لها يوم فى الماء لتشرب منه , ويوم تشربون أنتم فيه . وكان الماء قليلاً عندهم فى الآبار .

 

(لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ )           من الآية (155) سورة الشعراء

 

أى لابد من تخصيص يوم لتشرب فية هذه الناقة , ولكم أنتم وأبلكم وحيواناتكم يوم آخر , وكان من عجائب هذه الناقة أن تقف على العين وتشرب فلا تدع فيها ماءً , وهى كمية من المياه كانت تكفى كل الأبل . وبعد ذلك تتحول كل المياه التى شربتها فى ضرعها لبناً , فيأخذون هذا اللبن.

صحيح أن الناقة منعتهم المياه لكنهم أخذوا منها اللبن الذى يطعمونه , ولأنها ناقة الله كان لابد أن تأخذ هيكلاً وحجماً يناسبها وكمية من الطعام والشراب مناسبة لتقيم بها حياتها , وكمية إدرار اللبن مناسبة لشربها وطعامها وحجمها , فما دامت منسوبة لله فلابد أن فيها مواصفات إعجازية , وكان الفصيل الذى ولدته معها , وكان إذا ما جاء الحر فى الصيف تسكن الناقة فى المشارف العالية , وبقية النوق تنزل فى الأرض الوطيئة , وحين يأتى الشتاء تنزل إلى المناطق المنخفضه . والمعروف أن مدائن صالح كانت منطقة شديدة الحرارة , ويمكن لمن يزور المدينة أو ((تبوك)) أن يمر عليها .

كانت الناقة حرة فى إختيار المكان الذى تعيش فية صيفاً أو شتاءاً فلا أحد بقادر أن يمسها بسوء . وكانت هناك امأتان لهما نياق . وناقه الله تغلب نياق المرأتين فى المراعى والماء . فأحضرت المرأتان  رجلاً يطلق عليه : (( أُحَيْمر ثمود : وأسمه قُدار بن سالف )) ليقتلها , فقتل الناقة , فلما قتلت الناقة , طلع ابنها الفصيل على جبل يسمى (( قارة )) وخار ثلاثة أصوات , فنادى سيدنا صالح : يا قوم أدركوا هذا الفصيل , لعل الله بسبب إدراككم له يرفع عنكم العذاب , فراحوا يتلمسونه فلم يجدوه وأعلم الله صالحاً النبى أن العذاب قادم , ففى اليوم الأول تكون وجوههم مصفرة , وفى اليوم الثانى تكون محمرة , وفى اليوم الثالث تكون مسودّة , فقد كانت الناقة هى ناقة الله المنسوبه له سبحانه وتعالى , وقد تأكدوا بالأمر المشهدى من ذلك , وكان من الواجب عليهم ساعة أن وجدوا الآية الكونية المشهودة أن يأخذوا منها العبرة , وأنها مقدمة للشئ الموعود به . لكن الغباء أنساهم أنها ناقة الله.

 

(هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )

                                                                                          من الآية 73 سورة الأعراف

 

وبالفعل حدث العذاب بعد أن قتل أحيمر ثمود الناقه .

ويقول الحق بعد ذلك :

وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ

 تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ

 بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا

 فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)