فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)

 

وهم حين أرادوا طرد لوط وأهله , إنما كانوا يجازفون .

إنهم بذلك قد تعجلوا العقاب , وجاءهم العقاب وأنجى الحق سبحانه لوطاً وأهله بتدبير حكيم لا يحتاج فيه سبحانه إلى حد , وإذا تساءل أحد: ومن هم أهل لوط الذين أنجاهم الله معه ؟ أهم أهل النسب أم أهل التدين والتبعية ؟ . إن كان أهله بالنسب فالحق يستثنى منهم (( إمرأته )) , وهذا دليل على أن أهل البيت آمنوا بما قاله لوط وكذلك الأتباع أيضاً : (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ).

إذن كان مع لوط أيضاً بعض من أهله وبعض من الأتباع , وكانوا من المتطهرين , والتطهر هو أن يترفع الإنسان عن الرجس والسوء . ولذلك نجد سيدنا شعيباً حين ينصح قومه :

 

(فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ....... (85)         سورة الأعراف

 

ويتعجب القوم سائلين شعيباً :

 

( قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا....... (87)               سورة هود

 

إنهم يتعجبون من أن الصلاة تنهى عن ذلك , لقد أعمى ضلالهم بصيرتهم , فلم يعرفوا أن الصلاة تنهى عن كل شئ . وكذلك فعل بعض من الكافرين حين أتهموا سيدنا رسول الله بأنه مجنون :

 

(وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)                                سورة الحجر

 

ومن قولهم يتأكد غباء تفكيرهم , فما داموا قد قالوا( نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ) فمن الذى نزل هذا الذكر؟ , والذكر هو القرآن , والذى نزله هو الله – سبحانه وتعالى – فكيف يعترفون بالقرآن كذكر , ثم يتهمون الرسول بأنه ((مجنون))؟ , لأنهم ما داموا قد قالوا عن القرآن إنه ذكر , وإنه قد نزل عليه , ولم يأت به من عنده , فكيف يكون مجنوناً ؟ إنهم هم الكاذبون , وقولهم يؤكد  أن فكرهم نازل هابط.

وفى الآيه التى نحن بصدد خواطرنا عنها نجد أن الحق يقول سبحانه :

 

(فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ  )                   الأعراف(83)

 

إن إمرأة سيدنا لوط لم تدخل فى الإنجاء لأنها من الغابرين , و((غبر)) تأتى لمعان متعددة , فهى تعنى إقامة ومكثاً بالمكان , أو تعنى أى شئ مضى , كما يقال : هذا الشئ غبرت أيامه , أى مضت أيامه , ولسائل أن يقول : كيف تأتى الكلمة الواحدة للمعنى ونقيضه ؟ فغبر تعنى بقى , وغبر أيضاً تعنى مضى وأنتهى. نقول : إن المعنى ملتق هنا فى هذه الأيه , فما دام الحق ينجيه من العذاب الذى نزل على قوم لوط فى القرية فنجد زوجته لم تخرج معه , بل بقيت فى المكان الذى نزل فيه العذاب , وبقيت فى الماضى , وهكذا يكون المعنى ملتقياً . فإن قلت مع الباقين الذين آتاهم العذاب فهذا صحيح . وإن قلت إنها صارت تاريخاً مضى فهذا صحيح أيضاً :

 

( إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ )

ونحن لا ندخل فى تفاصيل لماذا كانت امرأته من الغابرين , لأن البعض تكلم فى حقها بما لا يقال , وكأن الله يدلس على نبى من أنبيائه , لا , نحن لا نأخذ إلا ما قاله الحق بأنها كانت مخالفة لمنهجه وغير مؤمنة به.

ونلحظ أيضاً أن الحق تحدث عن امرأة نوح وأمرأة لوط فى مسألة الكفر , فقال :

 

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ....(10)  

                                                                                                         سورة التحريم

 

ودقق النظر فى كلمه (تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) وتساءل البعض عن معنى الخيانة وهل المقصود بها الزنا ؟ . ونقول : ربنا لا يدلس على نبى له , لكن أن تؤمن الزوجه أو تكفر , فهذه مسأله إختيارية . وكأن الله سبحانه يوضح لنا أن الرسول مع أنه رسول من الله إلا أنه لا يستطيع أن يفرض إماناً على أمرأته , فالمسألة هى حرية الاعتقاد . وأنظر الى التعبير القرآنى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ )

إياك أن تظن أن أياً منهما كانت متكبرة على زوجها , لأن الحق يقول : (كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا ) أى أن إمرة وقوامة الرجل مؤكده عليها , يشير إلى ذلك قوله : (كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ )  لكن الإيمان هو مسألة إختيار , وهذا الإختيار متروك لكل إنسان , وأكد الحق ذلك فى مسألة أبن سيدنا نوح :

(إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ )                        من الآية 46 سورة هود

وحاول البعض أن يلصق تهمة الزنا بامرأة نوح وامرأة لوط , وهم فى ذلك  يجانبون الصدق , إنه محض أفتراء , وقد نبهنا الحق إلى ذلك فقال عن امرأة نوح وامرأة لوط :

(كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا )                                                  من الآية 10 سورة التحريم

ولنفهم أن الاختيار فى العقيدة هو الذى جعلهما من الكافرين , وأن الرسولين نوحاً ولوطاً لم يستطيعا إدخال الإيمان فى قلبى الزوجتين , حتى يتأكد لدينا أن العقيدة لا يقدر عليها الإنسان نفسه , ولذلك ضرب سبحانه لنا مثلاً آخر :

 

(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)                                       سورة التحريم

 

فهذه زوجة فرعون المتجبر , الذى (( ادعى الألوهية )) لكنه لا يقدر أن يمنع امرأته من أن تؤمن بالله , وهكذا نجد نبياً لا يقدر أن يقنع امرأته بالإيمان , ونجد مدعى الألوهية عاجزاً عن أن يجعل امرأته كافرة مثله , وهذا يدل على أن العقيده أمر اختيارى محمى بكل أنواع الحماية , حتى لا يختار الإنسان دينه إلا على أساس من إقتناعه لا على أساس قهره . وضرب الله مثلاً آخر :

 

(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ )                              من الآيةَ (12) سورة التحريم

 

ونلاحظ أن الحق لم يأت بأسماء زوجتى نوح ولوط , وكذلك لم يأت باسم امرأة فرعون , لكنه أورد لنا مريم واسم والدها . فلماذا كان الإبهام أولاً ؟ لنعلم أنه من الجائز جدا أن يحصل مثل هذا الأمر لأى امرأة , فقد تكون تحت جبار وكافر, وتكون هى مؤمنة , وقد تكون تحت عبد مؤمن ولا يلمس الإيمان قلبها .

 

فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)             سورة الأعراف

 

فكلمة (( أنجينا )) تشير أن عذاباً سيقع فى المكان الذى فيه قوم لوط , ولأنه تعالى شاء أن يعذب جماعة ولا يعذب جماعة أخرى , فلابد أن يدفع الجماعة التى كتب لها النجاة إلى الخروج. وهذا الخروج أراده لهم من يكرهونهم , فقد قالوا :

 

(  أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ )                       من الآية(82) سورة الأعراف

 

لكن ربنا هو الذى اخرجهم , والإخراج كان من العذاب الذى نزل بهؤلاء المجرمين , إنه كان لإنجاء لوط وأهله مما نزل بهؤلاء الفجرة .

ويأتى العذاب من الحق :

 

وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ

عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)