قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ

وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا

قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88)

 

علمنا من قبل أن الملأ هم السادة , والأعيان الذين يملأون العيون هيبة , ويملأون القلوب هيبة , ويملأون الأماكن تحيزاً . وقد أستكبر الملأ من قوم شعيب عن الإيمان به , وطغوا وهددوه بأن يخرجوه من أرضهم  وقالوا مثلما قال من سبقوهم . فقد نادى بعض من قوم لوط بأن يخرجوا لوطاً ومن آمن معه من قريتهم . فقال تعالى :

 

 (َمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)    سورة النمل

 

وكلمة (( قرية )) تأخذ فى حياتنا وضعاً غير وضعها الحقيقى , فالقريه الآن هى الموقع الأقل من المدينة الصغيرة . لكنها كانت قديماً البلد الذى توجد فيه كل متطلبات الحياة , بدليل أنهم كانوا يقولوا عن مكة ((أم القرى)) . وقد وضع الملأ شعيباً ومن آمن معه بين أمرين : إما أن يخرجوهم حتى لا يفسدوا من لم يؤمن فيؤمن , وإما أن يعودوا إلى الملة . وهنا ((لفتة لفظية)) أحب أن تنتبهوا إليها فى قوله (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ) لأن العود يقتضى وجوداً سابقاً  خرج عنه , ونريد أن نعود إلى الأصل , فهل كان شعيب والذين آمنوا معه على ملتهم ثم آمنوا والمطلوب من الآن أنهم يعودون ؟

علينا أن ننتبه إلى أن  الخطاب هنا يضم شعيباً والذين معه . وقد يصدق أمر العودة إلى الملة القديمة على الذين مع شعيب , ولكنها لا تصدق على شعيب لأنه نبى مرسل , وهنا  ننتبه أيضاً إلى أن الذي يتكلم هنا هم الملأ من قوم مدين , ووضعوا شعيباً والذين آمنوا معه أمام اختيارين : إما العودة إلى الملة , وإما الخروج , ونسوا أن الحق قد يشاء تقسيماً آخر غير هذين القسمين . فقد يوجد ويريد سبحانه أمراً ثالثاً لا يخرج فيه شعيب والذين أمنوا معه , وأيضاً لا يعودون إلى ملة الكفر , كأن تأتى كارثة تمنع ذلك .

لقد عزل الملأ من قوم شعيب أنفسهم عن المقادير العليا , لأن الله قد يشاء غير هذين الأمرين , فقد يمنعكم أمر فوق طاقتكم أن تُخِرجوا شعيباً ومن آمن معه , بأن يصيبكم ضعف لا تستطيعون معه أن تخرجوهم , أو أن يسلط الله عليكم أمراً يفنيكم  وينجى شعيباً والذين آمنوا معه . إذن أنت أيها الإنسان الحادث , العاجز لا تفتئت ولا تفترى وتختلق على القوة العليا فى أنك تخير بين أمرين قد يكون لله أمر ثالث لا تعلمه , ويأتى الرد على لسان مَن آمنوا مع شعيب: ( قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ )              من الآية 88  سورة الأعراف

لقد سئل شعيب والذين معه : أيمكن أن يتم قهر أحد على أن يترك الإيمان إلى الكفر , كأن الكافرين قد تناسوا أن التكليف مطمور فى الاختيار , فالإنسان يختار بين سبيل الإيمان وسبيل الكفر.

ويتتابع القول من شعيب والذين آمنوا معه :

قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا

اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ

رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا

رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ

وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)