وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)

 

وهذه آية معجزة أخرى. وقوله: (( ونزع )) تعنى إخراج اليد بعسر , كأن هناك شيئاً يقاوم إخراج اليد, لأنه لو كان إخراج اليد سهلاً , لما قال الحق: (( ونزع يده)) لأنّ النزع يدل على أن شيئاً يقاوم, ومثال ذلك قوله الحق:

 

(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ)   

  من الايه 26 سورة آل عمران

 

لأن نزع الملك ليس مسأله سهله, ففى الغالب يحاول صاحب الملك التشبث بملكه, لكن الحق ينزعه من هذا الملك. كذلك قوله : ((ونزع يده)) , وهذا يدل على أن يده لها وضع, ونزع يده وإخراجها بشدة له وضع آخر, وكأنها كانت فى مكان حريص عليها. إذن ففيه لقطة بينت الإدخال , ولقطة بينت النزع, وهما عمليتان أثنتان. وقال سبحانه فى آية ثانيه:

 

(وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ)

من الآية 12 سورة النمل

 

و(( الجيب )) هو مكان دخول الرأس من الثوب, وإن كنا نسمى (( الجيب )) فى أيامنا مطلق شئ نجعله وعاء لما نحب, وكان الأصل أن الإنسان حين يريد أن يحتفظ بشئ, يضعه فى مكان أمامه وتحت يده, ثم صنع الناس الجيوب فى الملابس, فسميت الجيوب جيوباً لهذا. والحق قال فى موضع آخر :

 

(وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ)

 من الآية 22 سورة طه

 

إذن ففيه إدخال وإخراج, وكل آية جائت بلقطه من اللقطات, فآية أوضحت دخول اليد فى الجيب, وأخرى أوضحت ضم اليد إلى الجناح, وثالثة أوضحت نزع اليد, وهذه لقطات متعددة, تكوَّن كلها الصورة الكاملة, لنفهم أن القصص فى القرآن غير مكرر, فالتكرير قد يكون فى الجملة. لكن كل تكرير له لقطة تأسيسية, وحين نستعرضه نتبين أركان القصة كاملة. فكل هذه اللقطات تجمع لنا القصه. وقلنا قبل ذلك : إن الصراع بين فرعون وموسى لا ينشأ إلا عن عداوة, وحتى يحتدم الصراع لابد أن تكون العداوة متبادلة, فلو كان واحد عدّوا والثانى لا يشعر بالعداوة فلن يكون لديه لدد خصومه, وقد يتسامح مع خصمه ويأيخذ أمر الخلاف أخذاً هيناً ويسامحه وتنفض المسألة.لكن الذى يجعل العداوة تستعر , ويشتد ويعلوا لهيبها أن تكون متبادلة, وتأتى لقطه فى القرآن تثبت لنا العداوة من فرعون لموسى, ولقطة أخرى تثبت العداوة من موسى لفرعون , فالحق يقول :

 

(يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ)

من الآيه 39 سورة طه

 

 هذه تثبت العداوة من فرعون لموسى.

ويقول الحق :

 

( فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا)

من الآيه 8 سورة القصص

 

 وهذه تثبت أن موسى عدوٌ لهم. وكلتا اللقطتين يُكمل بعضها بعضاً لتعطينا الصورة الكامله.

والحق هنا يقول :

 

وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)  

   سورة الأعراف

 

ونعرف أن موسى كان أسمر  اللون, لذلك يكون البياض فى يده مخالفاً لبقية لون بشرته, ويده صارت بيضاء بحيث ساعه يراها الناس يلفتهم ضوؤها ويجذب أنظارهم, وهى ليست بيضاء ذلك البياض الذى يأتى فى سُمرة نتيجة مرض, لا , لأن الحق قال فى آيه أخرى:

 

 (تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ)

 من الآية 22 سورة طه

 

وكل لقطة كما ترى تأتى لتؤكد وتكمل الصورة. إذن فقوله: ( بيضاء للناظرين) يدل على أن ضوءها لامع ومضئ, يلفت نظر الناس جميعاً إليها, ولا يكون ذلك إلا إذا كان لها بريق ولمعان وسطوع, وقوله:( بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) يؤكد أن هذا البياض ليس مرضاً.

ويتابع الحق سبحانه :

قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا

لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109)