ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ(64)

سورة البقرة

بعد أن بين الحق سبحانه وتعالى لنا كيف أمر اليهود بأن يتذكروا المنهج ولا ينسوه .. وكان مجرد تذكرهم للمنهج يجعلهم يؤمنون بالإسلام وبرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه مكتوب عندهم في التوراة ومذكورة أوصافه .. ماذا فعل اليهود؟ يقول الحق تبارك وتعالى: "ثم توليتم من بعد ذلك" .. أي أعرضتم عن منهج الله ونسيتموه ولم تلتفتوا إليه .. "ولولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين" ما هو الفضل وما هي الرحمة؟ الفضل هو الزيادة عما تستحق .. يقال لك هذا حقك وهذا فضل مني أي زيادة على حقك ..

<عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لا يدخل أحداً الجنة عمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة"> رواه البخارى ومسلم واحمد وابن ماجة والدارمى

فإذا تساءلت كيف يتم هذا؟ وكيف أنه لا أحد يدخل الجنة بعمله؟ نقول نعم لأن عمل الدنيا كله لا يساوي نعمة من نعم الله على خلقه؛ فأنت تذكرت العمل ولم تتذكر الفضل .. وكل من يدخل الجنة فبفضل الله سبحانه وتعالى .. حتى الشهداء الذين أعطوا حياتهم وهي كل ما يملكون في هذه الدنيا .. يقول الحق سبحانه وتعالى عنهم:

فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(170)


(سورة آل عمران)



فإذا كان هؤلاء الشهداء وهم في أعلى مراتب الجنة قد دخلوا الجنة بفضل الله .. فما بالك بمن هم أقل منهم أجرا .. والله سبحانه وتعالى له فضل على عباده جميعا .. واقرأ قوله تعالى:

إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ


(من الآية 243 سورة البقرة)



أما الرحمة فهي التي فتحت طريق التوجه لغفران الذنوب. والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي أنه لولا هذا الفضل لبني إسرائيل .. ولولا أنه فتح لهم باب الرحمة والمغفرة ليعودوا مرة أخرى إلي ميثاقهم ومنهجهم .. لولا هذا لكانوا من الخاسرين الذين أصابهم خسران مبين في الدنيا والآخرة .. ولكن الله تبارك وتعالى بفضل منه ورحمة قد قادهم إلي الدين الذي حفظه الله سبحانه وتعالى بقدرته من أي تحريف .. فرفع عنهم عبء حفظ الكتاب .. وما ينتج عن ذلك من حمل ثقيل في الدنيا .. ورحمهم برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين .. مصداقا لقوله تبارك وتعالى:



وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ(107)


( سورة الأنبياء)



وأعطاهم فضل هذا الدين الخاتم الذي حسم قضية الإيمان في هذا الكون ومع هذه الرحمة وهذا الفضل .. بأن نزل إليهم في التوراة أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وموعد بعثه .. فتح لهم بابا حتى لا يصبحوا من الخاسرين .. ولكنهم تركوا هذا الباب كما تولوا عن دينهم.