قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ(71)

سورة البقرة

"بقرة لا ذلول" .. البقرة الذلول هي البقرة المروضة الممرنة تؤدي مهمتها بلا تعب .. تماما مثل الخيل المروضة التي لا تتعب راكبها لأنها تم ترويضها .. وسيدنا إسماعيل هو أول من روض الخيل وساسها .. وقال الله سبحانه وتعالى لهم أول وصف للبقرة أنها ليست مروضة .. لا أحد قادها ولا قامت بعمل .. إنها انطلقت على طبيعتها وعلى سجيتها في الحقول بدون قائد .. "تثير الأرض" أي لم تستخدم في حراثة الأرض أو فلاحتها .. "ولا تسقي الحرث" .. أي لم تستخدم في إدارة السواقي لسقية الزرع .. "مسلمة لا شية فيها" أي خالية من العيوب لا أذنها مثقوبة. ولا فيها أي علامة من العلامات التي يميز الناس أبقارهم بها .. ولا رجلها عرجاء، خالية من البقع والألوان غير اللون الأصفر الفاقع .. وكلمة "لا شية فيها" .. أي لا شيء فيها.
والمتأمل في وصف البقرة كما جاء في الآيات يرى الصعوبة والتشدد في اختيار أوصافها .. كأن الحق تبارك وتعالى يريد أن يجازيهم على أعمالهم .. ولم يجد بنو إسرائيل إلا بقرة واحدة تنطبق عليها هذه المواصفات فقالوا "الآن جئت بالحق" كأن ما قاله موسى قبل ذلك كان خارجا عن نطاق الحق. وذبحوا البقرة ولكن عن كره منهم .. لأنهم كانوا حريصين على ألا يذبحوها، حرصهم على عدم تنفيذ المنهج. هم يريدون أن يماطلوا الله سبحانه وتعالى .. والله يقول لنا أن سمة المؤمنين أن يسارعوا إلي تنفيذ تكاليفه .. واقرأ قوله تعالى:

وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(133)


(سورة آل عمران)



وهذه السرعة من المؤمنين في تنفيذ التكاليف .. دليل على عشق التكليف .. لأنك تسارع لتفعل ما يطلبه منك من تحبه .. وقوله تعالى: "وما كادوا يفعلون" .. يدلنا على أنهم حاولوا الإبطاء في التنفيذ والتلكؤ. أننا لابد أن نلتفت إلي أن تباطؤ بني إسرائيل في التنفيذ خدم قضية إيمانية أخرى .. فالبقرة التي طلبها الله منهم بسبب عدم قيامهم بتنفيذ الأمر فور صدوره لهم بقرة نادرة لا تتكرر .. والمواصفات التي أعطيت لهم في النهاية .. لم تكن تنطبق إلا على بقرة واحدة ليتحكم صاحبها في ثمنها ويبيعها بأغلى الأسعار ..
والقصة أنه كان هناك في بني إسرائيل رجل صالح .. يتحرى الحلال في الرزق والصدق في القول والإيمان الحقيقي بالله. وعندما حضرته الوفاة كان عنده عجلة وكان له زوجة وابنهما الصغير .. ماذا يفعل وهو لا يملك سوى العجلة اتجه إلي الله وقال: اللهم إني استودعك هذه العجلة لولدي، ثم أطلقها في المراعي .. لم يوص عليها أحداً ولكن استودعها الله. استودعها يد الله الأمينة على كل شيء .. ثم قال لامرأته إني لا أملك إلا هذه العجلة ولا آمن عليها إلا الله .. ولقد أطلقتها في المراعي..
وعندما كبر الولد قالت له أمه: إن أباك قد ترك لك وديعة عند الله وهي عجلة .. فقال يا أمي وأين أجدها؟ .. قالت كن كأبيك هو توكل واستودع، وأنت توكل واسترد .. فقال الولد: اللهم رب إبراهيم ورب موسى .. رد إلي ما استودعه أبي عندك .. فإذا بالعجلة تأتي إليه وقد أصبحت بقرة فأخذها ليريها لأمه .. وبينما هو سائر رآه بنو إسرائيل. فقالوا أن هذه البقرة هي التي طلبها الرب .. وذهبوا إلي صاحب البقرة وطلبوا شراءها فقال بكم .. قالوا بثلاثة دنانير .. فذهب ليستشير أمه فخافوا أن ترفض وعرضوا عليه ستة دنانير .. قالت أمه لا .. لا تباع .. فقال الابن لن أبيعها إلا بمليء جلدها ذهبا، فدفعوا له ما أراد .. وهكذا نجد صلاح الأب يجعل الله حفيظا على أولاده يرعاهم وييسر لهم أمورهم.