بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(81)

سورة البقرة

أراد الله سبحانه وتعالى أن يوضح كذبهم .. فجاء القرآن قائلا: "بلى" وهي حرف جواب مثل نعم تماما .. ولكن "بلى" حرف جواب في النفي .. يعني ينفي الذي قبله .. هم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ورسول الله سألهم هل اتخذوا عند الله عهدا أو يقولون على الله ما لا يعلمون، فجاء القرآن ليقول: "بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" .. بداية الجواب ببلى تنفي ما قالوا .. لأن بلى تأتي بعد النفي .. ونعم تأتي بعد الإجابة .. فإذا قال إنسان ليس لك عندي شيء وقلت نعم، فمعناها أنه صحيح أنك ليس لك عندي شيء .. أما إذا قلت بلى، فمعنى ذلك أن لك عندي شيئا أو أشياء .. ولذلك بعد قولهم "لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" .. لو جاء بعدها نعم، لكان قولهم صحيحا، ولكن بلى نفت وجاء الكلام بعدها مؤكدا النفسي:
"من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" هم قالوا لن تمسنا النار .. قال لن تمسكم فقط بل أنتم فيها خالدون .. وقوله تعالى: "أصحاب النار" .. الصحبة تقتضي نوعا من الملازمة فيها تجاذب المتصاحبين .. ومعنى ذلك أنه سيكون هناك تجاذب بينهم وبين النار .. هنا نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى قال: "بلى كسب سيئة" .. وكان السياق يقتضي أن يقال اكتسب .. ولكن لأنهم ظنوا أنهم كسبوا .. كما بينا في الآية السابقة .. وقوله تعالى: "وأحاطت به خطيئته" .. إحاطة بحيث لا يوجد منفذ للإفلات من الخطيئة لأنها محيطة به. وأنسب تفسير لقوله تعالى: "كسب سيئة وأحاطت به خطيئته" .. أن المراد الشرك .. لأن الشرك هو الذي يحيط بالإنسان ولا مغفرة فيه .. والله تعالى يقول:



إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ


(من الآية 48 سورة النساء)


ولذلك فهؤلاء لم يكونوا عصاة فقط .. ولكنهم كانوا كافرين مشركين. والدليل قوله تعالى: "هم فيها خالدون" .. وأصحاب الصغائر أو الكبائر الذين يتوبون منها لا يخلدون في النار .. ولكن المشرك بالله والكافر به هم الخالدون في النار .. وكل من لم يؤمن بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كافر لأن الله سبحانه وتعالى قال:

وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(85)


(سورة آل عمران)



ولذلك قلت هناك فرق بين .. الإنسان الذي يرتكب معصية لأنه لا يقدر على نفسه فيندم ويتوب .. وبين إنسان يفرح بالمعصية .. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:
 


إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ


(من الآية 17 سورة النساء)



وهناك من يندم على المعصية وهذا له توبة .. وهناك من يفرح بالمعصية وهذا يزداد معصية.