وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ(92)

سورة البقرة

بعد أن بين لنا الله سبحانه وتعالى رفضهم للإيمان بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بحجة أنهم يؤمنون بما أنزل إليهم فقط .. أوضح لنا أن هذه الحجة كاذبة وأنهم في طبيعتهم الكفر والإلحاد .. فقال سبحانه: "ولقد جاءكم موسى عليه السلام أيده الله ببينات ومعجزات كثيرة كانت تكفي لتملأ قلوبكم بالإيمان وتجعلكم لا تعبدون إلا الله .. فلقد شق لكم البحر ومررتم فيه وأنتم تنظرون وترون .. أي أن المعجزة لم تكن غيبا عنكم بل حدثت أمامكم ورأيتموها .. ولكنكم بمجرد أن تجاوزتم البحر وذهب موسى للقاء الله .. بمجرد أن حدث ذلك اتخذتم العجل إلها من دون الله وعبدتموه .. فكيف تدعون أنكم آمنتم بما أنزل إليكم .. لو كنتم قد آمنتم به ما كنتم اتخذتم العجل إلها.
والحق تبارك وتعالى يريد أن ينقض حجتهم في أنهم يؤمنون بما أنزل إليهم .. ويرينا أنهم ما آمنوا حتى بما أنزل إليهم .. فجاء بحكاية قتل الأنبياء .. ولو أنهم كانوا مؤمنين حقا بما أنزل إليهم فليأتوا بما يبيح لهم قتل أنبيائهم ولكنهم كاذبون .. أما الحجة الثانية فهي إن كنتم تؤمنون بما أنزل إليكم .. فقولوا لنا كيف وقد جاءكم موسى بالآيات الواضحة من العصا التي تحولت إلي حية واليد البيضاء من غير سوء والبحر الذي شققناه لكم لتنجو من قوم فرعون .. والقتيل الذي أحياه لله أمامكم بعد أن ضربتموه ببعض البقرة التي ذبحتموها .. آيات كثيرة ولكن بمجرد أن ترككم موسى وذهب للقاء ربه عبدتم العجل. إذن فقولكم نؤمن بما أنزل إلينا غير صحيح .. فلا أنتم مؤمنون بما أنزل إليكم ولا أنتم مؤمنون بما أنزل من بعدكم .. وكل هذه حجج الهدف منها عدم الإيمان أصلا.
وقوله تعالى: "ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون" .. واتخاذ العجل في ذاته ليس معصية إذا اتخذته للحرث أو للذبح لتأكل لحمه .. ولكن المعصية هي اتخاذ العجل معبودا .. وقوله تعالى: "اتخذتم العجل" .. أي أن ذلك أمر مشهود ولا إلي شهادة لأنه حدث علنا وأمام الناس كلهم .. وذكر حكاية العجل هذه ليشعروا بذنبهم في حق الله .. كأن يرتكب الإنسان خطأ ثم يمر عليه وقت .. وكلما أردنا أن نؤنبه ذكرناه بما فعل .. وقوله تعالى: "وأنتم ظالمون" .. أي ظالمون في إيمانكم .. ظالمون في حق الله بكفركم به.