وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(110)

سورة البقرة

بعد أن بين الله سبحانه وتعالى أن أقصى أماني أهل الكتاب أن يردونا كفارا، وأن هذا حسدا منهم. أراد الله تبارك وتعالى أن يبين لنا ما الذي يكرهه أهل الكتاب .. وقال إن الذي يتعبهم ميزان العدل والحق الذي نتبعه .. منهج الله سبحانه وتعالى .. ولذلك يأمر الله المؤمنين أن يثبتوا ويتمسكوا بالإيمان، وأن يقبلوا على التكليف فهذا احسن رد عليهم .. والتكاليف التي جاء بها الإسلام منها تكليفات لا تتطلب إلا وقتاً من الزمن وقليلا من الفعل كشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.
إن شهادة لا إله إلا الله تقال مرة في العمر .. والزكاة والصوم مرة كل عام .. والحج للمستطيع مرة في العمر .. ولكن هناك من العبادات ما يتكرر كل يوم ليعطي المؤمن شحنة اليقين والإيمان ويأخذه من دنياه بالله اكبر خمس مرات في اليوم .. وهذه هي العبادة التي لا تسقط أبدا .. والإنسان سليم والإنسان مريض .. فالمؤمن يستطيع أن يصلي واقفا وأن يصلي جالسا وأن يصلي راقدا .. وأن يجري مراسم الصلاة على قلبه .. لذلك كانت هذه أول عبادة تذكر في قوله تعالى: "وأقيموا الصلاة" أي والتفتوا إلي نداءات ربكم للصلاة .. وعندما يرتفع صوت المؤذن بقوله الله اكبر فهذه دعوة للإقبال على الله .. إقبال في ساعة معلومة لتقفوا أمامه سبحانه وتعالى وتكونوا في حضرته يعطيكم الله المدد .. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا حزبه أمر صلى).رواه احمد وابوداود عن حزيفة وفى رواية: كان اذا حزبه امر فزع الى الصلاة
ومعنى حزبه أمر .. أي ضاقت به أسبابه فلم يجد مخرجا ولا طريقا إلا أن يلجأ إلي الله .. إذا حدث هذا يتوضأ الإنسان ويصلي ركعتين غير الفريضة .. ثم يدعو ما يشاء فيفرج الله كربه .. إذن: "فأقيموا الصلاة" هي الرد المناسب على كل محاولاتهم ليسلبوكم دينكم .. ذلك أن هذا التكليف المقرر لإعلان الولاء الإيماني لله كل يوم خمس مرات .. نترك كل ما في الدنيا ونتجه إلي الله بالصلاة .. إنها عماد الدين وأساسه. وقوله تعالى: "وآتوا الزكاة" .. إيتاء الزكاة لا يحدث إلا إذا كان لديهم ما هو زائد عن حاجتك .. فكأن الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نضرب في الأرض لنكسب حاجتنا وحاجة من نعول ونزيد .. وبذلك يخرج المسلمون من سيطرة اليهود الاقتصادية التي يستذلون بها المسلمين.
فالمؤمن حين يأتي الزكاة معناه أن حركته اتسعت لتشمل حاجته وحاجة غيره .. ولذلك حتى الفقير يجد في الزائد في أموال المسلمين ما يكفي حاجته .. فلا يذهب إلي اليهودي ليقترض بالربا .. ولذلك فالله سبحانه وتعالى يريد أن يتكامل المسلمون .. بحيث تكفي أموالهم غنيهم وفقيرهم والقادر على العمل منهم وغير القادر والله تبارك وتعالى يزيد أموال المسلمين بأكثر مما يخرج منها من زكاة ..

<ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه"> رواه احمد ومسلم والترمذى عن ابى هريرة

وقد سميت "الزكاة" لأنها في ظاهرها نقص وفي حقيقتها زيادة .. والربا ظاهرة زيادة وحقيقته نقص .. وفي ذلك يقول الله جل جلاله:

يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ
(من الآية 276 سورة البقرة)


ثم يقول الحق سبحانه: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله" .. إذن لابد أن يطمئن المؤمن لأن حركة حياته هي ثواب وأجر عند الله تبارك وتعالى .. فإذا صلى فله أجر وإذا زكى فله أجر، وإذا تصدق فله أجر، وإذا صام فله أجر، وإذا حج فله أجر، كل ما يفعله من منهج الله له أجرا بقدر العمل، بل أضعاف العمل .. واقرأ قوله تعالى:

مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(261)
(سورة البقرة)


وهكذا نعرف أن كل حركة في منهج الله ليس فقط لها أجر عند الله سبحانه وتعالى .. ولكنه أجر مضاعف أضعافا مضاعفة .. وهو أجر ليس بقدرات البشر ولكنه بقدرة الله سبحانه .. ولذلك فهو ليس مضاعفا فقط في عدد المرات ولكنه مضاعف في القدرة أيضا .. فكأن كل إنسان مؤمن لا أجر له في الآخرة .. وإذا أعطى في الدنيا يعطي عطاء المثل .. ولكن المؤمن وحده له عطاء الآخرة أضعافا مضاعفة .. وهو عطاء ليس زائلا كعطاء الدنيا ولكنه باق وخالد.والخير الذي تفعله لن تدخره عندك أو عند من قد ينكره .. ويقول لا شيء لك عندي ولكن الله سيدخره لك .. فانظر إلي الاطمئنان والعمل في يد الله الأمينة، وفي مشيئته التي لا يغفل عنها شيء، وفي قدرته التي تضاعف أضعافا مضاعفة .. وتجده في الوقت الذي تكون في أحوج اللحظات إليه وهو وقت الحساب. ثم يقول الحق تبارك وتعالى: "والله بما تعملون بصير" .. أي لا تعتقد أن هناك شيئا يخفى على الله، أو أن أحدا يستطيع أن يخدع الله؛ فالله سبحانه وتعالى بصير بكل شيء .. ليس بالظاهر منك فقط .. ولكن بما تخفيه في نفسك ولا تطلع عليه أحدا من خلق الله، إنه يعلم كل شيء واقرأ قوله سبحانه وتعالى:

رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء(38)
(سورة إبراهيم)


وهكذا نطمئن إلي أن الله بصير بكل شيء، وانظر إلي قوله جل جلاله: "يعملون" لتفهم أهمية العمل