إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(131)

سورة البقرة

والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي أنه قال لإبراهيم أسلم فقال أسلمت .. إذن فمطلوب الحق سبحانه وتعالى من عبده أن يسلم إليه .. ولم يقل الحق أسلم إلي لأنها مفهومة .. ولم يقل أسلم لربك لأن الإسلام لا يكون إلا لله لأنه هو سبحانه المأمون علينا .. على أن إبراهيم عليه السلام قال في رده: "أسلمت لرب العالمين". ومعنى ذلك أنه لن يكون وحده في الكون لأنه إذا أسلم لله الذي سخر له ما في السماوات والأرض .. يكون قد انسجم مع الكون المخلوق من الله للإنسان .. ومن أكثر نضجاً في العقل ممن يسلم وجهه لله سبحانه .. لأنه يكون بذلك قد أسلمه إلي عزيز حكيم قوي لا يقهر، قادر لا تنتهي قدرته .. غالب لا يغلب، رزاق لا يأتي الرزق إلا منه. فكأنه أسلم وجهه للخير كله.
والدين عند الله سبحانه وتعالى منذ عهد آدم إلي يوم القيامة هو إسلام الوجه لله، ولماذا الوجه؟ لأن الوجه أشرف شيء في الإنسان يعتز به ويعتبره سمة من سمات كرامته وعزته .. ولذلك فنحن حين نريد منتهى الخضوع لله في الصلاة نضع جباهنا ووجوهنا على الأرض .. وهذا منتهى الخضوع أن تضع أشرف ما فيك وهو وجهك على الأرض إعلانا لخضوعك لله سبحانه وتعالى. والله جل جلاله يريد من الإنسان أن يسلم قيادته لله .. بأن يجعل اختياراته في الدنيا لما يريده الله تبارك وتعالى .. فإذا تحدث لا يكذب، لأن الله يحب الصدق، وإذا كلف بشيء يفعله لأن التكليف في صالحنا ولا يستفيد الله منه شيئا .. وإذا قال الله تعالى تصدق بمالك أسرع يتصدق بماله ليرد له أضعافا مضاعفة في الآخرة وبقدرة الله.
وهكذا نرى أن الخير كله للإنسان هو أن يجعل مراداته في الحياة الدنيا طبقا لما أراده الله .. وفي هذه الحالة يكون قد انسجم مع الكون كله وتجد أن الكون يخدمه ويعطيه وهو سعيد. أما من يسلم وجهه لغير الله فقد اعتمد على قوي يمكن أن يضعف، وعلى غني يمكن أن يفتقر .. وعلى موجود يمكن أن يموت ويصبح لا وجود له. ولذلك فهو في هذه الحالة يتصف بالسفاهة لأنه اعتمد على الضار وترك النافع