وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ(145)

سورة البقرة

اتباع القبلة مظهر إيماني في الدين، فمادمت آمنت بدينك فاتبع قبلتك .. لا أؤمن بدينك لا اتبع قبلتك. وقوله تعالى: "ولئن أتيت" ساعة تسمع "ولئن" واو ولام وإن .. هذا قسم فكأن الحق تبارك وتعالى أقسم أنه لو أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب بكل آية ما آمنوا بدينه ولا اتبعوا قبلته .. لماذا؟ لأنهم لا يبحثون عن دليل ولا يريدون الاقتناع بصحة الدين الجديد .. ولو كانوا يريدون دليلا أو اقتناعا لوجدوه في كتبهم التي أنبأتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه النبي الخاتم وأعطتهم أوصافه .. فكأن الدليل عندهم ولكنهم يأخذون الأمر سفها وعنادا ومكابرة.
وقوله تعالى: "وما أنت بتابع قبلتهم" .. فكأنه حين جاءت بتغير القبلة أعلمنا الله أن المسلمين لن يعودوا مرة أخرى إلي الاتجاه نحو بين المقدس ولن يحولهم الله إلي جهة ثالثة .. ولكي يعلمنا الله سبحانه وتعالى أن اليهود والنصارى سيكونون في جانب ونحن سنكون في جانب آخر .. وأنه ليس هناك التقاء بيننا وبينهم. قال سبحانه: "وما بعضهم بتابع قبلة بعض" .. فالخلاف في القبلة مستمر إلي يوم القيامة. وقول الحق: "ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين" .. حين يخاطب الله سبحانه وتعالى رسوله وحبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه الآية .. وهو يعلم أن محمدا الرسول المعصوم لا يمكن أن يتبع أهواءهم .. نقول إن المقصود بهذه الآية هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
إن الله يخاطب أمته في شخصه قائلا: "ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين" .. ما هي أهواء أهل الكتاب؟ هي أن يهادنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يقول إن ما حرفوه في كتبهم أنزله الله .. وهكذا يجعل هوى نفوسهم أمراً متبعا .. فكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفت أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. إلي أن كل من يتبع أهواء أهل الكتاب وما حرفوه سيكون من الظالمين مهما كانت درجته من الإيمان .. وإذا كان الله تبارك وتعالى لن يقبل هذا من رسوله وحبيبه فكيف يقبله من أي فرد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ إن الخطاب هنا يمس قمة من قمم الإيمان التي تفسد العقيدة كلها .. والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعرف أنه لا يتسامح فيها ولا يقبلها حتى لو حدثت من رسوله ولو أنها لن تحدث .. ولكن لنعرف أنها مرفوضة تماما من الله على أي مستوى من مستويات الإيمان حتى في مستوى القمة فتبتعد أمة محمد عن مثل هذا الفعل تماما.