وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(149)

سورة البقرة

لابد أن نتأمل كم مرة أكد القرآن الكريم قضية تحويل القبلة .. أكدها ثلاث مرات متقاربة .. لأن تحويل القبلة أحدث هزة عنيفة في نفوس المؤمنين .. والحق سبحانه وتعالى يريد أن يذهب هذا الأثر ويؤكد تحويل القبلة تأكيدا إيمانيا. لقد جاء بثلاث آيات التي هي أقل الجمع .. واحدة للمتجه إلي الكعبة وهو داخل المسجد .. والثانية للمتجه وهو خارج المسجد .. والثالثة للمتجه من الجهات جميعا.
قوله تعالى: "ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام" .. هو رد على المنافقين واليهود والنصارى الذين حاولوا التشكيك في الإسلام .. بأن واجهوا المسلمين بقضية تغيير القبلة .. على أساس أنها قضية ما كان يجب أن تتم لأنه ليس فيها زيادة في التكليف ولا مشقة زائدة تزيد ثواب المؤمن .. فالجهد الذي يبذله المؤمن في الاتجاه إلي المسجد الأقصى هو نفس الجهد الذي يبذله في الاتجاه إلي البيت الحرام .. فأنت إذا اتجهت في صلاتك يمينا أو شمالا أو شرقا أو غربا فإن ذلك لا يضيف إليك مشقة فما هو سبب التغيير؟.
نقول لهم إن هذه ليست حجة للتشكيك في تحويل القبلة لأن الاتجاه إلي المسجد الحرام هو طاعة الله .. ومادام الله سبحانه وتعالى قد قال فعلينا أن نطيع طاعة إيمانية .. يقول المولى جل جلاله: "وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون" .. أي أن ما فعلتموه من تحويل القبلة هو حق جاءكم من الله تبارك وتعالى .. والله عز وجل ليس غافلا عن عملكم بحيث تكونون قد اتجهتم إلي البيت الحرام. بل الله يعلم ما تبدون وما تكتمون .. فاطمئنوا أنكم على الحق وولوا وجوهكم تجاه المسجد الحرام .. واعلموا أن الله سبحانه محيط بكم في كل ما تعملون.