لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ(225)

سورة البقرة

وكان من المناسب أن تأتي هذه الآية كل ما سبق لأنه سبحانه أوضح لنا اليمين التي لا تقع وكأنه قال لنا: ارجعوا فيها واحنثوا وسأقبل رجوعكم في مقابل أن تبروا وتتقوا وتصلحوا، فإذا كان قد قبل تراجعنا عن هذا اليمين فلأن له مقابلا في فعل الخير. وقوله الحق: "بما كسبت قلوبكم" هو المعنى نفسه لقوله تعالى:

وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ
(من الآية 89 سورة المائدة)


أي الشيء المعقود في النفس والذي رسخ داخل نفسك، لكن الشيء الذي يمر على اللسان فلا يؤاخذنا الله به. "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" والأيمان جمع يمين، واليمين: هو الحلف أو القسم، وسمى يميناً؛ لأنهم كانوا قديماً إذا تحالفوا صرب كل امرئ منهم يمينه على يمين صاحبه، وذلك لأن اليمين هو الجارحة الفاعلة. وبالمناسبة، فالجارحة الفاعلة إياك أن تظن أنها تفعل بالرياضة والتدريب، وإنما تفعل بالخلق أي كما خلقها الله، فهي مجبرة على الفعل حسب خلقتها.
ولذلك عندما تجد إنسانا ويده اليمنى لا تعمل ويزاول أعماله باليسرى فلا تحاول أن تجعله يستخدم اليمنى بدلا من اليسرى؛ لأن محاولتك عبث لن يجدي؛ لأن السبب في أنه يستخدم اليسرى بدلا من اليمنى سبب خلقي، فالجهاز الخاص بالتحكم في الحركة في المخ هو الذي يقر هذا الأمر: إن كان مخلوقا في النصف الأيمن من المخ كانت اليد اليمنى هي الفاعلة، وإن كان مخلوقا في النصف الأيسر من المخ فاليد اليسرى هي التي تعمل. لذلك تجد الذي يكتب بيده اليسرى يتقن الكتابة بها افضل من الذي يكتب باليمنى في بعض الأحيان، ومن هنا نقول: إنه من الخطأ أن تحاول تغيير سلوك الذي يعمل بيده اليسرى بدلا من اليمنى؛ لأن ذلك عبث لن يصل لنتيجة.
وأحيانا تجد الجهاز المتحكم في حركة اليدين موجودا في منتصف ووسط المخ فيرسل حركات متوازنة لليد اليمنى واليد اليسرى معا، ولذلك تجد شخصا يكتب بيده اليمنى واليسرى معا بالسرعة نفسها وبالإتقان نفسه، ويؤدي بها الأعمال بتلقائية عادية، ولله في خلقه شئون، فهو يعطينا الدليل على أنه لا تحكمه قواعد، فهو قادر على أن يجعل اليد اليمنى تعمل، وقادر على أن يجعل اليد اليسرى تعمل، أو يجعلهما يعملان معا بالقوة نفسها، أو يجعل كلتا اليدين غير قابلتين للعمل. إنها ليست عملية آلية خارجة عن إرادة لله، بل كل شيء خاضع لإرادته سبحانه.
"لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" والمقصود به الحلف، والحلف من معانيه التقوية، وهي مأخوذة من الحلف، وهو أن يتحالف الناس على عمل ما. ونحن عندما نتحالف على عمل فنحن نقسم العمل بيننا، وعندما نفعل ذلك يسهل علينا جميعا أن نفعله. "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم" والكسب عملية إرادية. لأنك ساعة تقسم بالله دون أن تقصد فهو لا يؤاخذك، وهذا دليل على أن الله واسع حليم.

ويقول الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك:

 

لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(226)

سورة البقرة

يتبع ان شاء الله فى تفسير الآية التالية