يقول الحق سبحانه:

 (وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (10)  

 

وهذه الآية امتداد للآية السابقة, ومعطوفة عليها؛ لأن الله تعالى ذكر فعلاً واحداً: (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ..(9)  [ الإسراء]

ثم عطف عليه: (وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ..(10)   [ الإسراء]

إذن: فالآية داخلة في البشارة السابقة, ولكن كيف ذلك, والبشارة السابقة تُبشّر المؤمنين بأن لهم أجراً كبيراً, والبشارة إخبار بخير يأتي في المستقبل, فكيف تكون البشارة بالعذاب؟.

قالوا: نعم, هذه بشارة على سبيل التهكُّم والاستهزاء بهم. كما قال تعالى في آية أخرى: (فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(34)    [ التوبة]

وكما قال الحق سبحانه متهكماً: (ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ(49)  [ الدخان]

1- رجل عزيز: منيع لا يُغلب ولا يُقهر. ومعنى قوله تعالى: (: (ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ(49)  [ الدخان]

أي ذق بما كنت تُعَدّ في أهل الهز والكرم . [ لسان العرب –مادة: عزز]

وكما تقول للولد الذي أهمل فأخفق في الامتحان: مبروك عليك الفشل, أ, تقول: بشرّ فلاناً بالرسوب.

وقد تكون البشارة للمؤمن بالجنة, والكافر بالعذاب, كلاهما بشارة للمؤمن, فبشار المؤمن بالجنة تسرُّه وتُسعده, وتجعله يستشرف ما ينتظره من نعيم الله في الآخرة.

وبشارة الكافر بالعذاب تسُرُّ المؤمن؛ لأنه لم يقع في مصيدة الكفر, وتزجر مَنْ لم يقع فيه وتُخيفه, وهذا رحمة به وإحسان إليه.

وهذا المعنى واضح في قول الحق سبحانه في سورة الرحمن: (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ(17) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ(20) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ(22) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(23) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ(24) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(25)  [ الرحمن]

فهذه كلها نِعَم من نِعم الله تعالى علينا, فناسب أن تـُذيّـَل بقوله: تعالى: (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(18)    [ الرحمن]

أما قوله تعالى: ( يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ(35) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(36)  [ الرحمن]

فأي نعمة في أن يُرسل الله عليهما شواظ ( الشواظ: القطعة من اللهب ليس فيها دخان.[ القاموس القويم 1/361] من نار ونحاس فلا ينتصران؟

نعم. المتأمل في هذه الآية يجد فيها نعمة من أعظم نِعَم الله, ألا وهي زَجْر العاصي عن المعصية, ومسرّة للطائع.