" قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57)" الفرقان

 

في آيه اخري يقول تعالي:

 

" أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) الطور "

 

يعني: غير قادرين على دفع الثمن، لانهم بخلاء وعندهم كزازة (1) الكز : الذي لا ينبسط . ووجه كز: قبيح. ورجل كز: قليل الخير. والكزازة: اليبس والانقباض. ( لسانالعرب – مادة: كزز )

او لا يريدون ان يخرجوا من جيوبهم شيئا تنتفع انت به ؟ مع انك لم تسألهم اجرا فهل يعني ذلك ان النبي كان من المفروض ان يسالهم اجرا؟

قالوا : نعم لانه اذا قدم انسان لانسان شيئا نافعا فعليه ان يدفع له اجرا بمقتضي التبادل والمعاوضة وكأنه صلي الله عليه وسلم يقول لهم : لقد قدمت لكم جميلا يفترض ان لي عليه اجرا والمسألة من عندي تفضل .

وما هو الاجر؟ الاجر : جعل يقابل عملا والثمن : جعل يقابل تملكا وقيمة هذا الجعل تختلف باختلاف مشقة العمل وطول زمنه ومهارة العامل فيما يقتضيه العمل ومخاطر ما يقتضيه العمل .

فكل مسألة من هذه ترفع من قيمة الاجر فحين تسافر مثلا تحتاج الى ( شيال ) يحمل لك الحقائب فتعطيه الاجر الذي يتناسب ومجهوده فان استاجرت سيارة وسرت بها مسافة فلابد ان الاجر سيزيد لانه اخذ مجهودا ووقتا اكثر فان احتجت مثلا سباكا ليصلح لك شيئا فسوف ترى ما في العمل من المشقة ولا تبخل عليه باكثر من سابقيه. وربما كان العمل في نظرك بسيطا لا يستغرق وقتا لكنه يحتاج الى مهارة هذه المهارة ليست وليدة اللحظة ولكنها مجهود ونتيجة عوامل من التعلم والخبرة حتى وصل صاحبها الى هذه المهارة .

فالمهندس مثلا الذي يصمم لك منزلك في ساعة او ساعتين ومع ذلك يطلب مبلغا كبيرا لماذا ؟

 لانه لا يتقاضي اجرا على هذا الوقت انما على سنوات طويلة من الدراسة والمجهود والتحصيل حتى وصل الى هذه المهارة.

اذن:كل اجر يقدر بما يقابله من عمل ويتناسب مع ما يقتضيه العمل من وقت ومجهود ومشق ومخاطرة ومهارة .......... الخ .

واذا كان الامر كذلك فانظروا الى عمل الرسول والى مدى افادتكم من رسالته انظروا الى المنهج الذي جاءكم به وكيف انه يريحكم مع أنفسكم ويريحكم مع المجتمع ويريحكم مع ربكم عزوجل ويريحكم مع شرور انفسكم ومن شرور الناس جميعا.

اذن: للرسول عمل كبيرومجهود عظيم لو قدرت له اجرا لكان كذلك عظيما ان الانسان اذا اجر مثلا حارسا يحرسه بالليل كم يدفع له ؟ فالنبي ياتيك بمنهج يحرسك ويحميك في نفسك وفي مالك وفي عرضك وفي كل ما تملك ولا يحميك من فئة معينة انما يحميك من الناس اجمعين.

بل ان حماية منهج الله لك لا تقتصر على الدنيا انما تتعدى الى الاخرة فتحميك فيها حماية ممتدة لانهاية لها فان قدرت لهذه الحماية اجرا فكم يكون ؟"

انما انا اقول لك : لا اريد اجرا لا كراهية في الاجر بل لانك انت ايها الانسان لا تستطيع تقدير هذا العمل اوتقييم الاجر عليه اما الذي يقدر ذلك فهو ربي الذي بعثني وانت ايها العبد مهما قدمت لي من اجر على ذلك فهو قليل .

وحكينا قصة الرجل الطيب الذي قابلناه في الجزائر يقف على الطريق يلوح لسيارة تحمله فوقفنا وفتحنا له الباب ليركب معنا وقبل ان يركب قال : بكم ؟ يعني : الاجرة فقال له صاحبي : لله ، فقال الرجل : اذن فهي غالية جدا هذا هو المعنى في قوله تعالى :

 

 " إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ .. (29)" هود

 

وفي موضع اخر يقول سبحانه :

 

 "  أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) "يونس

 

 فما العلاقة بين الاجر وبين

 

" وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) "يونس

 

  كان المسلم ينبغي عليه ان يعمل العمل لا لمن يعمل له ولكن يعمله لياخذ عليه الاجر الذيينايب هذا العمل من يده تعالى انما ان اخذه من صاحبه فهو كالذي فعل ليقال وقد قيل وانتهت المسالة وربما حتى لا يشكر على عمله .

لذلك وردت هذه العبارة على السنة كل الرسل :

 

" وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ  (109) " الشعراء

 

وليس هناك اية طلب فيها الاجر الظاهر الا هذه الاية التي نحن بصددها :

 

 " قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) " الفرقان

 

وقوله تعالى :

 

" إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى  (23)  الشورى

 

 ومعنى :

 " إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) " الفرقان

 

أي :  سبيلا للمثوبة وسبيلا للاجر من جهاد في سبيل الله او صدقة على الفقراء ...الخ

وقوله :

 

" إِلَّا مَنْ شَاءَ .. (57) " الفرقان

 

 تدل على التخيير في دفع الاجر فالرسول لا يأخذ الا طواعية والاجر :

 

 " أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57) " الفرقان

 

 من الجهاد والعمل الصالح فكان اجر الرسول العمل للغير لتاخذ انت الاجر من الله فالرسول لا يأخذ شيئا لنفسه .

وتلحظ في ايات الاجر انها جاءت مرة :" اجرا ... 90 الانعام ،(الطور :40 ) ، ( القلم : 46) . ومرة (1) ( وردت اجر في 6 ايات : ( الانعام : 90 ، هود :51 ) ، يس :21) ، ( الشورى :23 )

- ووردت ( من اجر ) في 10 أيات : ( يونس 73 ) ، ( يوسف 104 ) ،( الفرقان :57 ) ، ( الشعراء : 109 ،137،145،164 ،180 ) ، ( سبأ : 47 ) ، ( ص : 86 ) . " مِنْ أَجْرٍ ..(57) " الفرقان

 والبعض يرى ان ( من ) هنا زائدة وهذا لا يقال في كلام الله عيب ان نتهم كلام الله بان فيه زيادة فكل حرف فيه له معناه .

وسبق ان ضربنا لمن هذه مثلا بقولنا : ما عندي مال ، وما عندي من مال . فالاولى نفت ان يكون عندك مال يعتد به لكن قد يكون القليل منه اما القول الثاني فيني نفي المال مطلقا بداية مما يقال له مال ، اذن : فايهما ابلغ في النفي ؟ فمن هنا تفيد العموم .

لذلك يقول تعالى :

 

 " أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ..(72) "المؤمنون

 

 لماذا ؟ لانه سيعطيك ويكافئك على قدره هو وبما يناسب  جوده تعالى وكرمه الذي لا ينفذ اما الانسان فسيعطيك على قدره وفي حدود امكاناته المحدودة .

ملحظ اخر في هذه المسالة في سورة الشعراء وهي احفل السور بذكر مسألة الاجر حيث تعرضت لموكب الرسل فذكرت ثمانية هم : موسى وهارون وابراهيم ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب .

تلحظ ان كل هؤلاء الرسل (1) قالها نوح في : ( يونس :72 ) ، ( هود : 29 ) ، ( الشعراء : 109 ) – وقالها هود في : ( هود : 51 ) ، ( الشعراء : 127 ) .- وقالها :  صالح في ( الشعراء 145 ) – وقالها لوط في : ( الشعراء 164 ) – وقالها شعيب في  الشعراء 180 )

 قالوا :

 

 " إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109)  الشعراء

 

" عدا ابراهيم وموسي عليهما السلام لم يقولا هذه الكلمة لماذا ؟

قالوا : لانك حين تطلب اجرا على عمل قمت به لا يكون هناك ما يوجب عليك ان تعمل له مجانا فانت لا تتقاضي اجرا ان عملت مثلا مجاملة لصديق وكذلك ابراهيم – عليه السلام – اول ما دعا الى الايمان دعا عمه ازر ومثل هذ لا يطلب منه اجرا وموسي عليه السلام اول ما دعا دعا فرعون الذي احتضنه ورباه في بيته ولو منه اجرا لقال له : أي أجر وقد ربيتك (2) ورغم ان موسى عليه السلام لم يطلب منه اجرا لا مالا وملكا ولا غيره الا ان فرعون امتن عليه بأنه الذي رباه فقال :

 

 " قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) " الشعراء "

 

  وو... الخ .

الاية الأخرى في الاستثناء هي قوله تعالى:

 

" ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى .. (23) " الشورى

 

 فكأن المودة في القربي أجر لرسول الله صلي الله عليه وسلم على رسالته لكن اي قربى : قربى النبي ام قرباكم ؟لاشك ان النبي الذي يجعل حب القريب للقريب ورعايته له هو أجره ، يعني بالقربى قربى المسلمين جميعا كما قال عنه ربه عز وجل :

 

 " النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ..(6) " الأحزاب