ثم تذكر الايات خصلة اخرى من خصال عباد الرحمن :

" وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) " الفرقان

 

الزور : الشئ الكذب ويزور في الشهادة

أي : يثبت الحق لغير صاحبه لكن نلاحظ أن الآية لم تقل : والذين لا يشهدون بالزور مما يدل على أن للأية معنى أوسع من النطق بقول الزور في مجال التقاضي حيث تقول عند القاضي : فلان فعل وهو لم يفعل .

فللشهادة معنى آخر : أي : لا يحضرون الزور والزور كل ما خالف الحق ومنه قوله تعالى في شهر رمضان : " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ.. (185) " البقرة

  فمعنى "  لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ...  (72) " الفرقان

 أي : لا يحضرون الباطل في أي لون من ألوانه قولا او فعلا أو اقرارا وكل ما خالف الحق .

 

لذلك يقول الحق سبحانه في موضع اخر :

 

" وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)  "القصص

 

 ويقول سبحانه :

" وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) "    الانعام

 

وقال تعالى:

" وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ (140)"النساء 

 

ومعلوم أن قول الزور والشهادة بغير حق تقلب الحقائق وتضر بالمجتمع لأنك حين تشهد بالزور تأخذ الحق من صاحبه وتعطيه لغيره وهذا يؤدي الى تعطل حركة الحياة وتجعل الانسان لا يأمن على ثمار تعبه وعرقه فيحجم الناس عن السعي والعمل ما دامت المسألة زورا في النهاية .

 

 

لذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم :

 

" ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ الاشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت "

 

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (87) كتاب الايمان واحمد في مسنده (5/37 ) والترمذي في سننه (3019 ) من حديث ابي بكرة نقيع بن الحارث قال الترمذي : هدا حديث حسن غريب صحيح .

 

لماذا ؟ لان شهادة الزور تهدم كل قضايا الحق في المجتمع .

ثم يقول سبحانه :"  وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) " الفرقان

اللغو : هو الذي يجب في عرف العاقل أن يلغى ويترك وهو الهراء الذي لا فائدة منه لذلك قال فيمن يتركه " مَرُّوا كِرَامًا (72) " الفرقان والكرام يقابلها اللئام فكأن المعنى : لا تدخل مع اللئام مجال اللهو والكلام الباطل الذي يصادم الحق ليصرف الناس عنه . ومن دلك ما حكاه القرآن عن الكفار ليصرفوا الناس عن الاستماع لآيات الذكر :"  لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ .. (26) "فصلت يعني : شوشوا عليه حتى لا يتمكن الناس من سماعه وهذه شهادة منهم بأنهم أو تركوا أذان الناس على طبيعتها وسجيتها  فسمعت القرآن فلابد ان ينفعلوا به وان يؤمنوا به ولولم يكن للقرآن اثر في النفوس ما قالوا هذه المقولة .

وقولهم :" وَالْغَوْا فِيهِ .. (26) "فصلت

يعني : وأن سمعتموه يقرأ فالغوا فيه وشوشوا عليه حتى لا يصل الى الاذان لماذا ؟ ألم يؤمن سيدنا عمر لما سمع ايات منه في بيت اخته فاطمة ؟ لكن لماذا ؟ أثر القرآن في عمر هذه المرة بالذات وقد سمعه كثيرا فلم يتأثر به ؟

قالوا : لأن اللجج والعناد يجعل الانسان يسمع غير سامع أما سماع عمر هذه المرة فكان بعد أن ضرب أخته فشجها وسال منها الدم فحرك فيه عاطفة الأخوة وحنانها ونفض عنه الكبرياء والعناد واللجاج فصادف القرآن منه نفسا صافية وقلبا خاليا من اللدد للاسلام فأسلم .

 

ألا ترى الكفار يقول بعضهم لبعض عند سماع القران :

 

" وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا (16) " محمد

 

 يعني : ما معنى ما يقول أو مالجديد الدي جاء به وهدا على وجه التعجب منهم فيرد القران :

 

" وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى (44)"  فصلت

 

 اذن : فالقران واحد لكن المستقبل له مختلف هدا استقبله بنفس صافية راضية وهدا استقبله بلدد (1) اللدد : الخصومة الشديدة والالد : الشديد الخصومة الجدل ( لسان العرب – مادة : لدد ) وقلب مغلق فكأنه لم يسمع فالمسالة مسالة فعل وقابل للفعل وسبق أن مثلنا لدلك بمن ينفخ في يده أيام البرد والشتاء بقصد التدفئة وينفخ في كوب الشاي بقصد التبريد فالفعل واحد لكن المستقبل مختلف .