إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) "الشعراء

 

 والآية هنا ليست آية إقناع للعقول انما آية ترغمهم وتخضع رقابهم وتخضع البنية والقالب وهذا ليس كلاما نظريا يقال للمكذبين انما حقائق وقعت بالفعل في بني اسرائيل واقرأ أن شئت قوله تعالى

 

 " وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ (171)"  الأعراف

فأخذوا ما أتيناهم بقوة لماذا ؟ بالآية التي أرغمتهم وأخضعت قوالبهم ولكن الحق – تبارك وتعالى – كما قلنا – لا يريد بالايمان أن يخضع القوالب انما يريد أن يخضع القلوب باليقين والاتباع .

فلو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا لا يتخلف منهم  أحد بدليل أنه سبحانه بعث رسلا وعصمهم ولم يجعل للشيطان سبيلا عليهم وبدليل أن الشيطان بعد تعهد أن يغوي بني أدم ليكونوا معه سواء في المعصية قال له :" إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ (42) "  الحجر

 والشيطان نفسه يقول

 

" فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) " ص

 

اذن : لو أراد سبحانه لجعل الناس جميعا مؤمنين وما عز عليه ذلك لكنه أراد سبحانه أن يكون الايمان باختيار المؤمن فيأتي ربه طواعية مختارا .

حتى في أمور الدنيا وأهلها قد ترى جبارا يضرب الناس ويخضعهم لآمره ونهيه فيطيعونه طاعة قوالب انما ايستطيع أن يخضع بجبروته قلوبهم ؟ وقال :

 

"  فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) الشعراء

 

خص الأعناق لأنها مظهر الخضوع فأول الخضوع أن تلوي الأعناق او الأعناق تطلق عند العرب على وجوه القوم وأعيانهم لذلك يقولون في التهديد : هذه مسألة تضيع فيها رقاب .

والمراد : الرقاب الكبيرة ذات الشان لا رقاب لمامة القوم والضعفاء أو العاجزين ومثلها كلمة صدور القوم يعني : أعيانهم والمقدمين منهم الذين يملأون العيون .

والمعنى : فأنت لا تخضع الناس لأني لو أردت أن أخضعهم لا أخضعتهم لذلك يقول تعالى في اية اخرى

 

" وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) "   يونس

 

 فإذا كان ربك لا يكره الناس على الأيمان أفتكرهم أنت ؟ ولماذا الإكراه في دين الله ؟ ان الحق – تبارك وتعالى – يوالي تنزيل القرآن عليهم – آية بعد آية فلعل نجما من نجومه يصادف فراغا وقلبا صافيا من الموجدة على رسول الله فيؤمن .

لكن هيهات لمثل هؤلاء الذين طبعوا على اللدد والعناد والجحود أن يؤمنوا لذلك يقول الله عنهم :

" وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا .. (14)"  النمل