يقول الحق سبحانه :

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)" الشعراء

 

لما لم يفلح الذكر المحدث والآيات المتجددة مع هؤلاء المعاندين فلم يرعووا ردهم الله تعالى الى الآيات الكونية الظاهرة لهم والتي سبقتهم في الوجود آيات في السماء : الشمس والقمر والنجوم آيات في الأرض : البحار والقفار والجبال والنبات والحيوان .

وكلها آيات كونية لم يدعها أحد منهم بل جاء الانسان الى الوجود وطرأ عليها وقد سبقته هذه الآيات التي يراها : الكبير  والصغير والرجل والمرأة والعاقل وغير العاقل ألا ينظرون فيها نظرة اعتبار فيسألون عن مبدعها ؟

ضربنا لذلك مثلا بالانسان الذي انقطعت به السبل في صحراء جرداء حتى أشرف على الهلاك فأخذته سنة فنام ولما أسيقظ وجد في هذا المكان المنقطع مائدة عليها أطايب الطعام والشراب ألا ينبغي عليه قبل أن تمتد يده الى هذا الطعام أن يسأل نفسه من الذي أعده له ؟

كذلك الانسان طرأ على كون معد لأستقباله وعلى وجود لا تتناوله قدرته ولا سلطان له عليه فهو لا يتناول الشمس مثلا ليوقدها ولم يدع هذه الآيات الكونية أحد ألا يدل ذلك على الخالق – عز وجل – ويوجب علينا الايمان به ؟

لذلك يقول سبحانه " وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ .... 25 " لقمان

وقال

" وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ..... (87) " الزخرف

 

 ولو تأمل الانسان في اللمبة الصغيرة التي تضئ الغرفة ولها عمر افتراضي لا يتعدى عدة أشهر وهي عرضة للكسر وللأعطال ومع ذلك تكاتف في صناعتها فريق من المهندسين والعمال والفنيين وكثير من اللآت والعدد ومع ذلك نؤرخ لمخترع المصباح ونعرف تاريخه وكيفية صنعه .... الخ نعرف مخترع التليفزيون والراديو و ... أليس من الأولى أن ننظر ونتأمل في خلق الشمس هذا الكوكب العظيم الذي يضئ الدنيا كلها دون وقود أو قطعة غيار أو عطل طوال هـذه المدد المتعاقبة ؟

فإذا ما جاء رسول وقطع على الناس هـذه الغفلة وقال لهم : ألا أنبئكم بمن خلق كل هـذا ؟ انه الله كان يجب عليهم أن يعيروه آذانهم ويؤمنوا .

هنا يقول تعالى :" أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ ..... (7)" الشعراء

وهي آية ظاهرة أمام أعينهم يرونها هامدة جرداء مقفرة فإذا نزل عليها الماء أحياها الله بالنبات ألم ينظروا الى الجبال والصحراء بعد نزول المطر وكيف تكتسي ثوبا بديعا من النبات بعد فصل الشتاء .

ألم يسألوا أنفسهم : من نقل هذه البذور وبذرها في الجبال لذلك يقول سبحانه في موضع أخر

 

 " وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) "         الحج

 

وقوله تعالى هنا " كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)" الشعراء

 كم : خبرية تفيد الكثرة جاءت بصيغة الاستفهام للتقرير كما تقول لصاحبك : كم أحسنت اليك بدل أن تعدد مظاهر احسانك اليه فتسأله لأنك واثق أن الاجابة في صالحك فالكلام بالاخبار دعوى منك لكن الاجابة على سؤال اقرار منه فالمعنى : أن نبات الأرض كثير يفوق الحصر .

والزوج : الصنف والزوج أيضا الذكر والأنثى والبعض من العامة يظن أن الزوج يعني الأثنين وهـذا خطأ فالزوج واحد معه مثله كما في قوله سبحانه :

 

" ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْن ....(144) " الانعام

 

 فهـذه أربعة أصناف فيها ثمانية أزواج فالزوج فرد واحد معه مثله فلا نقول زوج أحذية بل زوجا أحذية

والحق سبحانه وتعالى يقول " وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) النجم وكذلك النبات لابد فيه من ذكورة وأنوثة وان كانت غير واضحة فيه كله كما هي واضحة مثلا في النحل ففيه ذكر تلقح منه الأنثى لتثمر وكذلك شجرة الجميز منها ذكر وأنثى لكن لم نرى ذكورة وأنوثة في الجوافة مثلا أو في الليمون لماذا ؟ قالوا مرة توجد الذكورة والأنوثة في الشئ الواحد كعود الذرة مثلا قبل ان يخرج ثمرته تخرج سنبلة في أعلاه تحمل لقاح الذكورة وحينما يهزها الريح يقع اللقاح على شرابه ( كوز ) الذرة وتتم عملية التلقيح وقد تكون الذكورة والأنوثة في شئ لا تعرفه أنت كالمانجو والتفاح مثلا فلم نعلم لها ذكرا وانثى .

لكن الحق تعالى قال

 

 " وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ...(22)          الحجر

 

 وقال :

 

" وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ....... (49) " الذاريات

 

 ثم وصف الزوج بأنه " كَرِيمٍ (7)" الشعراء فمادا يعني الكرم هنا ؟

 قالوا : لأنك اذا أخذت الثمرة الواحدة ونظرت وتأملت فيها لوجدت لها صفات متعددة ونعما كثيرة كما قال سبحانه " وان                     لاتحصوها ........34 ابراهيم وهي نعمة واحدة بصيغة المفرد ولم يقل نعم الله .

قالوا : لأن الحق – عز وجل – يريد أن يلفتنا الى أن كل نعمة واحدة لو أستقصيت عناصرها وتكوينها لوجدت في طياتها نعما لاتعد ولا تحصى .

فمعنى "  " كَرِيمٍ (7)" الشعراء يعني : كثير العطاء وكثير الخيرات .