فيقول الحق سبحانه لموسى وهارون :

"  قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) الشعراء

 

 كلا تفيد نفي ماقبلها وقبلها مسائل ثلاث :

 

" قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) " الشعراء "وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي ... (13) " الشعراء "

 

 فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)" الشعراء

 فعلى أي منها ينصب هذا النفي ؟

النفي هنا يتوجه الى ما يتعلق بموسى – عليه السلام – لا بما يتعلق بالقوم من تكذيبهم إياه يقول له ربه : إطمئن فلن يحدث شئ من هذا كله ولا ينصب النفي على تكديبهم له لانه سيكدب

لذلك نرى دقة الأداء القرآني حث جاءت "  أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12)" الشعراء

 في نهاية الآية وبعدها كلام جديد "  وَيَضِيقُ صَدْرِي ... (13)" الشعراء وهو المقصود بالنفي .

وقد بينت سورة الفجر معنى (كلا ) بوضوح في قوله تعالى

 

 " فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ (1) رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)  " الفجر

 ( ) قدر الله الرزق جعله ضيقا على قدر الحاجة لا يزيد عن ضرورة الحياة ( القاموس القويم 2/ 102 )

فيقول تعالى بعدها ردا عليها " كَلَّا .. (17)"      الفجر

 يعني : ليس الإعطاء دليل إكرام ولا المنع دليل إِهانة إِنما المراد الابتلاء بالنعمة وبالنقمة .

وكيف يكون الأمر كما تظنون وقد أعطاكم الله فبخلتم وأحببتم المال حبا جما فلم تنفقوا منه على اليتيم أو المسكين بل تنافستم في جمعه حتى أكلتم الميراث وأخذتم أموال الناس .

إِذن : فالمال الذي أكرمكم الله به لم يكن نعمة لكم لأنكم جعلتموه نقمة ووبالا حين أعطيتم فمنعتم .

 وكلمة ( كلا ) هـذه أصبح لها تاريخ مع موسى – عليه السلام – فقد تعلمها من ربه ووعي درسها جيدا فلما حوصر هو وأتباعه بين البحر من أمامهم وفرعون وجنوده من خلفهم حتى إِيقن أتباعه إِنهم مدركون هالكون قالها موسى عليه السلام بملء فيه قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) " الشعراء

وقوله تعالى " فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا ... (15) الشعراء

الآيات هنا يقصد بها المعجزات الدالة على صدقهما في البلاغ عن الله وهي هنا العصا

 " إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15)" الشعراء

 كما قال لهما في موضع آخر " إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) "  طه

فمرة يأتي بالسمع فقط ومرة بالسمع والرؤية لماذا ؟

 لأن موقفه مع فرعون في المقام الأول سيكون جدلا ونقاشا وهـذا يناسبه السمع وبعد ذلك ستحدث مقامات في ( فعل ) و ( عمل ) في مسألة السحر وإلقاء العصا وهـذا يحتاج إِلى سمع وإِلى بصر لأن الإيذاء قد يكون من السمع فقط في أول لقاء وقد يكون من السمع والعين فيما بعد .