" ِاذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70)"

 

فأول دعوته كان لأبيه واقرب الناس اليه لا للغريب والدعوة التي توجه أولا للقريب لابد انها دعوة حق ودعوة خير لان الانسان يحب الخير أولا لنفسه ثم لأقرب الناس اليه ولو كانت في خيريتها شك لقصد بها الغرباء والاباعد عنه .

والمراد بابيه هو ( آزر ) ورد ذكره في موضع اخر .

وسؤاله لأبيه وقومه " مَا تَعْبُدُونَ (70)" الشعراء سؤال استهجان واستنكار وسؤال استدلال ليظهر لهم بطلان هذه العبادة لان العبادة ان يطيع العابد المعبود فيما أمر وفيما نهى فالذين يعبدون الأصنام بماذا أمرتهم وعم نهتهم ؟

اذن : فهي آلهة دون منهج وما أسهل ان يعبد الانسان مثل هذا الإله الذي لا يأمره بشئ ولا ينهاه عن شأ وكذلك هي آلهة دون جزاء ودون حساب لأنها لا تثيب من أطاعها ولا تعاقب من عصاها .

اذن : فكلمة عبادة هنا خطأ ومع ذلك يسميها الناس آلهة لماذا ؟ لان الإله الحق له أوامر لابد ان تنفذ وان كانت شاقة على النفس وله نواه لابد ان تترك وان كانت النفس تشتهيا فهي عبادة شاقة اما عبادة الأصنام فما أسهلها فليس عندها أمر ولا نهي وليس عندها منهج ينظم لهم حركة الحياة لذلك تمسك هؤلاء بعبادة الأصنام وسموها آلهة وها خبل واضح

كما ان الانسان في مجال العبادة اذا عزت عليه أسباب الحياة وأعيته الحيل او خرجت عن طاقته عندها يجد له ربا يلجأ اليه ويستعين به فيقول : يارب فماذا عن عابد الأصنام اذا تعرض لمثل هذه المسألة ؟ هل يتوجه إليها بالدعاء ؟ وهب انه يدعو إنسانا مثله يمكن ان يسمعه أيستجيب له ؟ لذلك يقول سبحانه :

 

" قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)" الشعراء

 

 ادن فعبادة غير الله حمق وغباء .

لكن هذا البحث من ابراهيم وهذا الجدل مع أبيه وقومه أكان بعد الرسالة ام قبلها ؟ قالوا : ان ابراهيم – عليه السلام – كان ناضجا متفتحا مند صغره وكان منكرا لهذه العبادة قبل ان يرسل لذلك قال الله عنه :

 

" وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)" الأنبياء

 

وكان كذلك نبينا محمد صلي الله عليه وسلم قبل بعثته كارها للأصنام معترضا على عبادتها يتعجب حين يرى قومه يعبدونها وقد رأى صلي الله عليه وسلم احد الآلهة وقد كسر ذراعه فاستعانوا بمن يصلح ذراع الا لهه فضحك رسول الله صلي الله عليه وسلم وتعجب لما يرى العابد يصلح المعبود ؟ بعدها اعتزلهم رسول الله ولجأ الى الغار يفكر في الإله الحق والمعبود الحق .

فكأن أي دين يامرالله به لو تفكر فيه الانسان برشد لانتهى الى الحق بدون رسول لان دين الله هو دين الفطرة السليمة فان توفرت لدى الانسان هذه الفطرة اهتدى بها الى الحق .

بدليل ما ان يحدث من عمر – رضي الله عنه – وكان يحدث رسول الله بالأمر فتتنزل به الآيات من عند الله وقد وافقت الايات رأيه في اكثر من موقف (1)(1) من هده المواقف انه لما كان يوم بدر قال صلي الله عليه وسلم : ما تقولون في هؤلاء الأسرى ؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك واهلك استبقهم واستتبهم لعل الله انن يتوب عليهم وقال عمر : يا رسول الله كديوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم فاخد رسول الله صلي الله علي وسلم برأي آبي بكر بالفداء ولكن نزل قول الله " مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) الانفال انظر تفسيابن كثير ( 2/ 325 ) وقد اقر رسول الله لي الله عليه وسلم ذلك ليبين لنا ان العقل السليم والفطرة المستقيمة يمكن ان ينتهيا الى قضايا الدين دون رسول .

وتستطيع انت ان تعرض أي قضية من قضايا الدين على العقل السليم وسوف تجد انها طيبة وجميلة توافق الذوق السليم والتفكير السوي فالكذب مثلا خلق يأباه العقل ويأباه الذين وكذلك الرشوة لانك بها تاخد ما ليس لك وقد يسلط عليك راش فيأخذ منك حقك كما أخذت انت حقوق الناس .

ولو تأمل العقل مثلا تحريم النظر الى المحرمات لوجد ان الدين قيد نظرك وانت فرد وقيد من أجلك نظر الناس جميعا فكما طلب منك طلب لك وكذلك الامر في تحريم السرقة والقتل  الخ

وقد سئلنا في إحدى الرحلات عن قوله تعالى :

 

" هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ..(33) " التوبة ومرة يقول " وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)" التوبة ومرة يقول :" يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)" التوبة

 

ولما قامت الثورة الشيوعية في روسيا 1917اول ما شرعوا منعوا الربا الذي كان جائز عندهم لقد منعوا الربا مع انهم غير مسلمين لكن مصالحهم في ذلك فهذه وأمثالها غلبة لدين الله وظهور له على كل الأديان .

وليس معنى

 

" لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) " التوبة

 

 ان يصير الناس جميعا مؤمنين لا انما يظل كل على دينه وعلى شركه او كفره لكن لا يجد حلا لقضاياه الا في الإسلام وهذا أوقع في ظهور الدين .