وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي (1) يَوْمَ الدِّينِ (82)"

 قرأ الحسن وابن أبي إسحاق " خطابأي " وقال : ليست خطيئة واحدة قال مجاهد : يعني بخطيئته قوله "  بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا .. (63) الأنبياء   وقوله " فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) " الصافات وقوله " ان سارة أخته زاد الحسن وقوله للكوكب " َ هَذَا رَبِّي .. (77) " الانعام وقال الزجاج الأنبياء بشر فيجوز ان تقع منهم الخطيئة نعم لا تجوز عليهم الكبائر لانهم معصومون منها ( تفسير القرطبي 7/4991) .

عجيب ان يصدر هذا الدعاء من ابراهيم وما أدراك ما ابراهيم ؟ انه أبو الأنبياء الذي وصفه ربه بأنه امة قانتا لله ولم يكن من المشركين ابراهيم الذي ابتلاه ربه بكلمات فأتمهن ومع هذا كله يقول

 " أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي  يَوْمَ الدِّينِ (82)" الشعراء

 انه أدب عال مع الله وهضم لعمله لان الانسان مهما قدم من الخير فهو دون ما يستحق الله تعالى من العبادة لذلك كان طلب المغفرة من الطمع .

ويجب ان ننظر هنا : متى دعا ابراهيم ربه ومتى تضرع اليه ؟ بعد ان ذكر حيثيات الألوهية واعترف لله بالنعم السابقة واقر بها فقد خلقه من عدم وأمده من عدم ووفر له كل مقومات الحياة وإقرار العبد بنعم الله عليه يقضي على كبرياء نفسه ويصفي روحه وأجهزته فيصير أهلا لمناجاة الله وأهلا للدعاء فان اعترفت لله بالنعم السابقة أجابك فيما تطلب من النعم اللاحقة على خلاف من لا يذكر لله نعمه ولا يقر له سبحانه بسابقة خير فكيف يقبل منه دعاء ؟ وبأي وجه يطلب من الله المزيد ؟ اذن : لا تدع ربك الا بعد صفاء نفس ولخلاص عبودية لذلك ورد في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم :

" من عمل بما علم أورثه الله علم ما لا يعلم "(1) (1) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ( 10/15) من حديث انس رضي الله عنه ضعفه الشوكاني في " الفوائد المجموعة " (ص 268 )

ويقول سبحانه :

" إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا (29)" الانفال

يقول لك ربك : انت مأمون على ما علمت عامل به فخد المزيد من هدايتي ونوري وتوفيقي خذ المزيد لما عندك من رصيد إيماني وصفاء روحي جعلك أهلا للمناجاة والدعاء

فإبراهيم – عليه السلام – وهو أبو الأنبياء لم يجترئ على الدعاء بشئ آت الا بعد ان ذكر لله النعم السابقة وشكره عليها فوافق قوله تعالى :

" لئن شكرتم لازيدنكم .. 7 ابراهيم

لدلك فان أهل المعرفة يقولون : ان العبد مهما اجتهد في الدعاء فانه يدعو بالخير على حسب فهمه ومنطقه وبمقدار علمه ولو انه ذكر النعيم الأول لله تعالى واقر له بالفضل ثم ترك المسالة له تعالى يعطيه ويختار له لكان خيرا له لان ربه عز وجل يعطيه على حسب قدرته تعالى وحكمته .

وهذا المعنى واضح في الحديث القدسي :" من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " (1) (1) أخرجه الترمذي في سننه ( 2927 ) من حديث آبي سعيد الخدري وقال : هدا حديث حسن غريب وكدا أخرجه أبو نعيم في الحلية (5/106 ) وكدا الدرامي في سننه ( 2/ 441 )بلفظ " من شغله قراءة القران عن مسألتي وذكري أعطيته أفضل ثواب السائلين " وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه قال ابن حجر في فتح الباري (9/66) " رجالة ثقات الا عطية الموفي ففيه ضعف " وقد شرح فضيلة الشيخ الشعراوي رحمه الله هدا الحديث مفصلا في كتاب الأحاديث القدسية ( 1/ 491 - 514)

فعطاء الله لا شك أوسع واختياره لعبده أفضل من اختيار العبد لنفسه كما لو ذهبت في رحلة مثلا وقلت لولدك : ماذا تريد ان احضر لك من البلد الفلاني ؟ فان قال : اريد كذا وكذا فقد ضيق على نفسه وان ترك لك الاختيار جاء اختيارك له خيرا من اختياره لنفسه .