ثم يقول الحق سبحانه عنهم انهم قالوا :

" فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102)"

 

معنى :" كَرَّةً ..(102)" الشعراء

أي : عودة الى الدنيا ورجعة "  فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102)" الشعراء

 أي : نستأنف حياة جديدة فنؤمن بالله ونطيعه ونستقيم على منهجه ولا نقف هذا الموقف .

وفي ايات أخرى شرحت هذه المسالة يقول تعالى

 

 " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) " المؤمنون

 

يعني " كَلَّا.. (100 )" المؤمنون لن يعودوا مرة أخرى وماهي الا كلمة يقولنها بألسنتهم يريدون النجاة بها لكن هيهات فبينهم وبين الدنيا برزخ يعزلهم عنها ويمنعهم العودة إليها وسوف يظل هذا البرزخ الى يوم يبعثون .

وفي اية أخرى حول هذا المعنى يرقي الحق – تبارك وتعالى – المسالة من موقف الموت الى موقف القيامة فيقول سبحانه

 

" وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) " الانعام

 

 وهذا كذب منهم وقول باللسان لا يوافقه العمل لذلك رد الحق – تبارك وتعالى – عليهم بقوله :

 

" بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)" الانعام

 

 

ثم يقول الحق سبحانه :

" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) "

 

الاية هي الامر العجيب الملفت للنظر وما كان ينبغي ان يمر على العقول بدون تأمل واعتبار " وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) " الشعراء رغم ان هذه الايات ظاهرة واضحة ومع ذلك كان أكثرهم غير مؤمنين .

 

 

" وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) "

 

أي : مع كونهم لم يؤمن أكثرهم فالله تعالى هو العزيز الذي لا يغلب انما يغلب ومع عزته تعالى فهو رحيم بعباده يفتح باب التوبة لمن تاب .

ثم ينتقل السياق ألقراني من قصة سيدنا ابراهيم – عليه السلام – الى قصة أخرى من ركب الأنبياء ومواكب الرسل هي قصة نوح عليه السلام :

 

 

" كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)

 

القوم : هم الرجال خاصة وسموا قوما لانهم هم الذين يقومون بأهم الأشياء ويقابل القوم النساء كما جاء شرح هـذا المعنى سبحانه :

 

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ..(11)" الحجرات

 

فالرجال هم القوم لانهم يقومون بأهم الامور وعليهم مدار حركة الحياة والنساء يستقبلن ثمار هذه الحركة فينفقونها بأمانة ويوجهنها التوجيه السليم .

والشاعر العربي أوضح هذا المعنى بقوله :

وما ادري ولست اخال ادري               أقوم أل حصن ام نساء (1) (1) هو قول زهير بن آبي سلمى شاعر جاهلي قال ابن الأثير : القوم في الأصل مصدر قام ثم غلب على الرجال دون النساء ولذلك قابلهن به وسموا بدلك لانهم قوامون على النساء بالأمور التي ليس للنساء ان يقمن بها وقال الجوهري : ربما دخل النساء فيه على سبيل التبع لان قووو كل نبي رجال ونساء ( لسان العرب – مادة : قوم )

ونفهم ايضا هذه القوامة للرجل من قول الله تعالى حينما وعظ  ادم وحذره من الشيطان :

 

"  إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ ..(117)" طه

 

 وحسب القاعدة نقول : فتشقيا .

لكن الحق – تبارك وتعالى – يقول " فَتَشْقَى .. (117)" طه انت يا ادم وحدك في حركة الحياة فالرجل يتحمل هذه المشقة ويكرم المرأة ان تهان او تشقى لكن ماذا نفعل وهي تريد ان تشقى نفسها ؟

ونلحظ ان الاية تقول :" " كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) " الشعراء

كيف وهم ما كذبوا الا رسولهم نوحا عليه السلام ؟ وكانوا مؤمنين قبله بآدم وابراهيم مثلا .

قالوا لان الرسل عند الله انما جاءوا في أصول ثابتة في العقيدة وفي الأخلاق لا تتغير في أي دين لذلك فمن كذب رسوله فكأنه كذب كل الرسل الا ترى ان من أقوال المؤمنين ان يقولوا :

 

قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)" أل عمران

 

وقال تعالى :

 

" آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ..(285)"البقرة

 

فان قلت : فمادا عن اختلاف المناهج والشرائع من نبي لأخر ؟

نقول : هذه اختلافات في مسائل تقتضيها تطورات المجتعات وهي فرعيات لا تتصل بأصل العقائد والأخلاق الكريمة .

لذلك نجد هذه لازمة في كل مواكب الرسالات يقول : المرسلين لان الذي يكذب رسوله فيما اتفق فيه الأجيال من عقائد وأخلاق فكأنه كذب جميع المرسلين .