}وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ {196}

 

الضمير في }وَإِنَّهُ ...... {196} [الشعراء] يصح أنْ يعود على القرآن كسابقه ، ويصح أنْ يعود على رسول الله ، ومعنى} زُبُرِ.... {196} [الشعراء] جمع زبور يعني : مكتوب  مسطور، ولو أن العقول  التي عارضتْ رسول الله ، وأنكرتْ عليه رسالته ، وأنكرتْ عليه معجزته فَطنوا إلى الرسالات السابقة عليه مباشرة، وهي : اليهودية والنصرانية في التوراة والإنجيل لوجب عليهم أن يُصدِّقوه ؛ لأنه مذكور في كتب الأولين.

 

كما  قال سبحانه في موضع آخر :

 

 { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى(18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى(19) }[الأعلى]

 

فالمبادىء العامة من العقائد و الأخلاق والعدل الإلهي وقصص الأنبياء كلها  أمور ثابتة في كل الكتب وعند جميع الأنبياء ، ولا يتغير  إلا   الأحكام  من كتاب لآخر ، لتناسب العصر والأوان الذي جاءتْ فيه .

 

وحين تقر أ قوله تعالى :

 

 {  شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ......(13) }[الشورى]

 

 

تقول : ولماذا-إذن –نزل القرآن ؟ ولماذا لم يَقل وصينا به محمداً؟

قالوا : لأن الأحكام ستتغير : لتناسب كل العصور التي نزل  القرآن لهدايتها ، ولكل الأماكن ، ولتناسب عمومية الإسلام .

 

 

لذلك رُوي عن عبد الله بن سلام [هو : عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي ، أبو يوسف ، صحابي أسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم  المدينة ، وكان اسمه الحصين ، فسماه  رسول الله صلى الله عليه وسلم  عبد الله ، وشهد مع  عمر فتح بيت المقدس ، أقام بالمدينة إلى أن توفي عام 43 هــ  ( الأعلام للزركلي4/ 90)] و آخر   اسمه ابن يامين ، وكانوا من أهل الكتاب ،وشهد كلاهما  أنه رأى ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة ، و في الإنجيل ، و القرآن يقول عنهم :

 

{  يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ.....(146) }[البقرة] 

 

 

ولما سمعها ابن سلام قال : ربنا تساهل معنا في هذه المسألة ، فوالله  إني  لأعرفه كمعرفتي لولدي  ، ومعرفتي  لمحمد أشد.

قال ابن كثير في تفسيره (1/194) :" قال القرطبي يُروى عن عمر أنه قال لعبد الله ابن سلام : أتعرف محمداً كما تعرف ولدك ؟  قال : نعم وأكثر ، نزل ألأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعته فعرفته ، وإني لا أدري ما كان من أمه".

 

و يقول  تعالى في هذا المعنى :

 

{  الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ ......(157) } [الأعراف]

 

 

و يقول سبحانه على لسان عيسى عليه السلام حين يقف خطيباً في قومه :

 

{  وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ......(6) } [الصف]

 

 

إذاً: }وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ {196} [الشعراء]  أي : محمد صلى الله عليه وسلم أو هو القرآن الكريم ، فكلاهما صحيح ؛ لأن صفة  رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودة في هذه الكتب ، أو القرآن في عموم مبادئه في العقائد والأخلاق و البعث وسير الأنبياء.

 

 

فكان الواجب على الذين جاءهم القرآن أنْ يؤمنوا به ، خاصة وأن رسول الله كان أمياً لم يجلس إلى معلم ، وتاريخه في ذلك معروف لهم ، حيث لم يسبق له أن قرأ أو كتب شيئاً.

 

و القرآن يؤكد هذه المسألة ، فيقول تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم:

 

{  وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ(48) }[العنكبوت]

 

{  وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ(45) } [القصص]

 

ثوى بالمكان : حله و أقام فيه واستقر به ، والمعنى : ما كنت مقيماً عندهم . [ القاموس القويم 1/113]

 

 

{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ ...(44) }[القصص]

 

{  وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ....(44) }[آل عمران]

 

 

فكل هذه الآيات وغيرها دليل على أنه صلى الله عليه وسلم لا عِلْم له بها إلا بواسطة الوحي المباشر في القرآن الكريم ، وكان على القوم أن يؤمنوا به أول ما سمعوه.