(أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ)(225)

وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ)(226))

الضمير  في   (َ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ)(225)

الشعراء       يعود علي الشعراء  والوادي :  هو المنخفض  بين جبلين  ,وكان محل السير ومحل نمو الاشجار والبساتين واستقرار المياه .

 (  يَهِيمُونَ)(225)   نقول  :فلان هام علي وجهه اي :سار علي غير هدي  وبدون هذف او مقصد  ,فالمعني

الشعراء( فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ)(225)

ان هذه حال الشعراء لانهم اهل كلام وخيال يندحك احدهم إن طمع في خيرك ,فإن لم تعطه كال لك الذم وتفنن في النيل منك فليس له واد معين يسير فيه او مبدأ يلتزم به ,كالهائم علي وجهه في كل واد .

فالمتنبي  (1) وهو من اعظم شعراء العصر العباسي ويضرب به المثل في الحكمه والبلاغه  من اشهر شعره قوله :

(1) _هو احمد بن الحسين الكندي _ابو الطيب المتنبي _ولذد بالكوفه في محله تسمي  (كنده ) عام 303 هه .ونشأ بالشام  ثم تنقل في الباديه يطلب الادب وعلم العربيه وايام الناس  ,ادعي النبوه في باديه السماوه(بين الكوفه والشام )ثم تاب ورجع عن دعواه مدح سيف الدوله ابن حمدان وكافورا ثم هجاه لانه لم يوله  (انظر الاعلام المزركلي  1\115 )

يقول ابو الطيب

فالخيل والليل والبيداء تعرفني           والسيف والرمح والقرطاس والقلم

فلما كان في احدي رحلاته خرج عليه قطاع الطرق فلما اراد ان يفر  قال له خادمه : الست القائل :

فالخيل والليل والبيداء تعرفني           والسيف والرمح والقرطاس والقلم

فاستحي أن يفر  وثبت امامهم حتي قتلوه  (1) فقال قبل ان يموت :ما قتلني  إلا هذا العبد  واشتهر هذا البيت في الادب العربي  بأنه البيت الذي قتل صاحبه .

(1)_ قتل المتنبي هو وابنه وغلامه بالنعمانيه  عام 354 هه حيث عرض له فاتك بن ابي جهل الاسدي  في الطريق بجماعه من اصحابه ومع المتنبي جماعه ايضا فاقتتل الفريقان فقتل المتنبي  بالقرب  من دير العالول (في الجانب الغربي من سواد بغداد ) وفاتك هذا

هو خال ضبه بن يزيد الاسدي العيني   .الذي هجاه المتنبي بقصيدته البائيه المعروفه (الاعلام للزركلي 1\115 )

ولما جاء المتنبي الي مصر مدح حاكمها  كافور الاخشيدي (2)  طمعا فيه وكان كافور رجل اسود لذلك كنوه بأبي المسك  ولما مدحه المتنبي حال الرضا قال فيه :

أبا كل طيب لا أبا المسك وحده )

وفي قصيده اخري يقول :

قضي الله يا كافور انك اول      وليس بقاضس أن يري لك ثان

فلما لم يعطه كافور طلبه  وساءت العلاقه بينهما قال يهجوه :

أريك الرضا لو أخفت النفس خافيا     وما انا عن نفسي ولا عنك راضيا

أمينا(3) وإخلافا وغدرا وخسهٌ وجبنا          أشخصا لحت لي ام مخازيا

وتعجبني رجلاك في النعل إنني         رأيتك ذا نعل وإن كنت حافيا

 

(2)_  كافور بن عبدالله الاخشيدي  ابو المسك امير مشهور كان عبدا حبشيا اشتراه الاخحشيدي ملك مصر (سنه 312) فنسب اليه  واعتقه فترقي عنده وما زالت همته تصعد به حتي ملك  مصر (سنه 355  هه) وقد ولد عام (292 هه) وتوفي بالقاهره 357 ههعن 65 عاما (الاعلام للزركلي )5\216 )

(3)_ المين  : الكذب

 

ومثلك يؤتي من بلاد بعيده          ليضحك ربات  الحدادالبواكيـــــــا

ولولا فضول الناس جئتك مادحــا          بما كنت في نفسي به لك هاجيـــــا

وقد يكون الشاعر بخيلاً ,ولكنه يمدح الكرم والكريم  ,ويرفعه الي عنان السماء :

متي تأته تعشو (1) إلي ضوء ناره         تجد خير نار عندها خير موقد (2)

 

(1)_ اعشو : أنظر  يقال :عشوت الي النار  إذا أحددت نظرك إليها  قاله ابو علي القالي في الامالي (1\149)  وقال ابن منظور في اللسان في معني البيت(أي متي تأته لا تتبين ناره من ضعف بصرك ) .

(2)_ اورده أبو علي القالي في (الامالي )  (1\1499)   وكذا ابن منظور في  (لسان العرب _ ماده  عشا )  وعزاه للحطيئه  .وكذا اورده ابو الفرج الاصفهاني في (الاغاني ) (1\237)

 والحطيئه (3) مع ما عرف عنه من البخل يمدح احدهم  ويصفه بالكرم النادر  لدرجه ان جعله يهم بذبح ولده لضيفه  ,لأنه لم يجد ما يذبحه  وينظم الحطيئه في الكرم هذه القصيده أو القصه الشعريه التي تعد من عيون الشعر العربي ومع ذلك لم يأخذ مما يقول عبرة وظل علي إمساكه وبخله .

 (3)_  هو :جرول بن أوس بن مالك وهو مخضرم ادرك الجاهليه والاسلام اسلم ثم إرتد لقب بالحطيئه لقصره وقربه من الارض ,كان ذا شر وسفه كان ينتمي الي كل واحده من قبائل العرب اذا غضب علي الاخري (الاغاني لابي فرج الاصفهاني 1\222)

يقول الحطيئه في وصف الكريم :

وطاوٍ ثلاثاً عاصب البطن مرمل       ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما(4)

أخي جفوة فيه من الأُنس وحشةٌ         يري البؤس فيها من شراسته نعما

وافرد في شعب عجوزاً ازاءها            ثلاثه اشباح تخالهوا بهما

(4)_  الطاوي  :الجائع   مرمل :قد اختلط طعامه بالرمل  الرسم الاثر

حفاه عراه ما اغتذوا خبز مله (1)            ولا عرفو للبر مُذ خُلقوا طعما

رأي شبحاً وسط الظلام فراعه (2)             فلما رأي ضيفاً تشمر واهتما

فقال ابنه لما رآه بحيرةٍ                أيا أبتِاذبحني ويسر له طعما

ولا تعتذر بالعدم علي الذي طرا            يظن لنا مالاً فيوسعنـــــــا ذما

فبينّا هما عنت علي البعدعانهٌ            قد انتظمت من خلف مسحلها نظما(3)

عطاشاً تريد الماء فانساب نحوها          علي أنه منها إلي دمها أظما

فأمهلها حتي تروت عطاشها           وارسل فيها من كنانته سهما

فخرت نحوصٌ ذات جحش سمينهٌ           قد اكتنزت لحماً وقد طبقت شحماً(4)

فيا بشره إذ جرها نحو قومه          ويا بشرهم لما  رأوا كلمها يدماً(5)

وباتوا كراماً قد قضوا حق ضيفهم          وما غرموا غُرما وقد غنموا غُنما

وبات ابوهم من بشاشته أباً               لضيفهم والأم من بشرها أُما

(1)_ خبز مله :هو الخبز يوضع في الرماد الحار الذي يحمي ليدفن فيه الخبز لينضج

(2)_ راعه  :اخافه وأفزعه

 (3)_ عنت :ظهرت :عانه  :العنون من الدواب   , من حمر الوحش   , المسحل :قائد القطيع

(4)_ تحوص :سمينه  ممتلئه    طبقت شحما  :امتلأت شحما ولحما

 (5)_ الكلم :الجرح ,يدنا  :ينزف دما  (راجع لسان العرب )

وصدق الله العظيم (

الشعراء     أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ(225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ(226)

يصفون الكرم وهم بخلاء ..............إلخ

وفي مره اجتمع عند النبي _صلي الله عليه وسلم اثنان من الشعراء: الزبرقان بن بدر وقيس

وقيس بن عاصم وعمرو بن الاهتم فقال احدهم عبارتين في مدح احد الحاضرين بأنه سيد القبيله ,فغضب الممدوح ورأي أن هذا  قليل في حقه فقال :والله يسا رسول الله  إنه ليعلم مني فوق الذي قال _يعني : لم يوفني  حقي _ فقال الشاعر :أما والله وقد قال ما قال ,فإنه لضيق العطيه ,أحمق الأب ,لئيم العم والخال ,سبحان الله في أول المجلس كان سيد قبيلته  , والان هو ضيق العطيه , أحمق الأب  لئيم العم والخال  !!

ثم قال : والله يـــــــــا رسول الله  ما كذبت  في الاولي  ,ولقد صدقتُ في الثانيه _يعني انا مصيب في القولين _ لكني رضيت فقلت  أحسن ما علمت  ,وغضبت  فقلت أسوأ ما علمت  ,عندها قال سيدنا رسول الله  (إن من البيان لسحرا )(1)

(1)_اخرج هذا الحديث بهذه القصه البيهقي في دلائل النبوه (5\216) بإسنادين الاول منقطع عن محمد بن الزبير الحنظلي  والثاني موصولاً من حديث ابن عباس قال :جلس  الي رسول الله _صلي الله عليه وسلم _قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر وعمرو بن الاهتم التميميون   ففخر الزبرقان  فقال :يا رسزول الله انا سيد تميم والمطاع فيهم والمجاب  امنعهم من الظلم وآخذ لهم بحقوقهم  , وهذا يعلم ذلك يعني  عمرو بن الاهتم  فقال عمرو بن الاهتم :انه لشديد العارضه مانع لجانبه  مطاع في اذنيه فقال الزبرقان بن بدر : والله يارسول الله لقد علم مني غير ما قال  ,وما منعه ان يتكلم الا الحسد  ,فقال عمرو بن الاهتم  : أنا أحسدك  فوالله إنك لئيم الخال ,حديث المال , أحمق الولد  ,مضيع في العشيره ,والله يا رسول الله لقد صدقت فيما قلت اولاً وما كذبت فيما قلت آخراً ,ولكني رجل إنا رضيت قلت أحسن ما علمت ,وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت , ولقد صدقت في الاولي والاخري جميعا فقال النبي  _صلي الله عليه وسلم _ إن من البيان سحراً إن من البيان سحراً )