فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)

كأن المؤمن مطالب بألا يسوف ويُؤخر الصلاة عن وقتها ،وأن يذكر الله قائماً وقاعداً وعلى جنبه ،وذلك لتكون الصلاة دائماً فى بؤرة شعور الإنسان ،بل إن المؤمن مطالب بذكر الله حتى وهو يسايف عدوه وينازله ،فهو يحمل السيف ولسانه رطب بذكر الله ويقول :"سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم".

والإنسان حين يسبح الله حتى وهو فى حالة الاشتباك مع العدو لا ينساه الله والمؤمن قد يؤخر الصلاة فى حالة الاشتباك مع العدو والالتحام به،ولكن عليه أن يدفع قلبه ونفسه إلى ذكر الله،ففى وقت الصلاة يكون مع ربه فليذكره قائماً وقاعداً وفى كل حال،وبعد أن يطمئن المسلم لموقفه القتالى فليقض الصلاة.وأنه لا يترك ربه أبداً بل وهو فى الحرب يكون ذلك منه أولى ؛وإذا كان المسلم يعرف أن لله فى اوقاته تجليات ،فلا يحرمن واحد نفسه من هذه التجليات فى اى وقت ،وذكر الله يقرب العبد من مولاه- سبحانه – مع عبده إذا ذكره ، فإن كان الإنسان مشبعاً بالاطمئنان وقت الخوف والقتال فليذكر الله ليدعم موقفه بالقوة العليا.

 

 

 

 

 

 

 


 

وقوله الحق: "فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة" أى إذا انتهى الاشتباك القتالى فعلى المؤمن أن ينتقل من ذكر الله أثناء الاشتباك إلى الصلاة التى حان ميقاتها أثناء القتال. فقد كان ذكر الله وقت الاشتباك من أجل ألا يضيع وقت الصلاة بلا كرامة لهذا الوقت، وبلا كرامة للقاء العبد مع الرب. ولماذا كل ذلك؟ وياتى القول الفصل : "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً".

 

وقد أوضح لنا الحق صلاة الخوف ، وشرع سبحانه لنا ذكره غذا ما جاء وقت الصلاة فى أثناء الاشتباك القتالى، وغذا ما اتفق توقيته مع وقت الصلاة، وشرحت لنا سنة النبى صلى الله عليه وسلم كيفية قصر الصلاة فى أثناء السفر، لماذا كل ذلك؟ لأن الصلاة فرض لا غنى عنه على الإطلاق "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً". أى أن الصلاة لها وقت.

 

ولا يصح أن يفهم أحد هذا المعنى – كما يفهمه البعض – بأن صلاة الظهر – على سبيل المثال – وقتها ممتد من الظهر إلى العصر، وصحيح أن الإنسان إذا عاش حتى يصلى الظهر قبيل العصر فإنها تسقط عنه، ولكن ماذا يحدث لو مات العبد وقد فات عليه وقت يسعها؟ إذن فقد أثم العبد، ومن يضمن حياته حتى يؤدى الصلاة مؤجلة عن موعد أدائها؟.

 

وقد يقول قائل: أحياناً أسمع أذان الصلاة وأكون فى عمل لا أستطيع أن أتركه؛ فقد أكون فى إجراء جراحة . أو راكباً طائرة. ونقول: أسألك بالله إذا كنت فى هذا العمل الذى تتخيل أنك غير قادر على تركه وأردت أن تقضى حاجة، فماذا تصنع؟ إنك تذهب لقضاء حاجتك، فلماذا استقطعت جزءاً من وقتك من أجل أن تقضى حاجتك؟ وقد تجد قوماً كافرين يسهلون لك سؤالك عن دورة المياه لتقضى حاجتك.

 

وساعة يراك هؤلاء وأنت تصلى فأنت ترى على وجوههم سمة الاستبشار؛ لأن فيهم العبودية الفطرية لله، وتجد منهم من يسهل ذلك ويحضر لك مُلاءة لتصلى فوقها، ويقف فى ارتعاش سببه العبودية الفطرية لله، فلا تقل أبداً: إن الوقت لا يتسع للصلاة؛ لأن الله لايكلف أبداً عبده شيئاً ليس فى سعته، والحق كلف العبد بالصلاة ومعها الوقت الذى يسعها.

 

ولله المثل الأعلى، نحن نرى رئيس العمال فى موقع ما يوزع العمل على عماله بما يسع وقت كل منهم، فما بالنا بالرب الخالق، ولذلك يقول الحق:

(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)

(من الآية 2 ومن الآية 3 سورة الطلاق)

 

والصلاة رزق عبودى يحررك من أى خوف، وفضلها لا حدود له لأن فارضها هو الخالق المربى، فكيف تبخل على نفسك أن تكون موصولا بربك؟

 

ويقول الحق من بعد ذلك:

 

وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)