يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)

 

إنهم يطلبون البراءة أمام الناس فى أن "طعمة" لم يفعل السرقة، ولكن هل يملك الناس ما يملكه الله عنهم؟. إنه سبحانه أحق بذلك من الناس. فإذا كنتم تريدون التعمية فى قضاء الأرض فلن تعموا على قضاء السماء. وهذه القضية يجيب أن تحكم حركة المؤمن، فإذا ما فكر إنسان منسوب إلى الإسلام أن يفعل شيئاً يغضب الله فعليه أن يفكر: أنا لو فعلت ذلك لفضحت نفسى أو فضحت ولدى أو فضحت أسرتى أو فضحت المسلمين، وعلى الإنسان المسلم ألا يخشى الناس إن فعل أخ له شيئاً يشين المسلمين، بل عليه أن يأخذ على يديه ويردُه عن فعله. ونقول لمن يستْر عن الناس: أنت استخفيت من الناس، ولم تستخف من الله؛ لذلك فأنت غير مأمون على ولاية.

 

"يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم"، وكلمة"معهم" هذه تريد أن تجعل المؤمن مصدقاً أن الله لاتخفى عليه خافية، إنه من الممكن أن يستتر الشخص عن الناس، ولكنه لا يستطيع أبداً أن يستتر عن الله؛ لأن الله مع كل إنسان فى الخلوة والجلوة والسر والعلن. فإن قدر واحد على الاستخفاء من الناس فهو لن يقدر على الاستخفاء من الله.

 

"يستخفون من الناس ولا يتسخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول" و"يبيت" أى أنه يفعل أمره فى الليل؛ لأن الناس كانت تلجأ إلى بيوتهم فى الليل، ومعنى "يبيت" أن يصنع مكيدة فى البيت ليلا، وكل تدبير بخفاء اسمه "تبييت" حتى ولو كان فى وضح النهار، ولا يبيت إنسان فى خفاء إلا رغبة منه فى أن ينفض عنه عيون الرائين. فنقول له: أنت تنفض العيون التى مثلك، لكن العيون الأزلية وهى عيون الحق فلن تقدر عليها.

 

(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108))

(سورة النساء)

 

حين نسمع كلمة "محيط" فلنعلم أن افحاطة هى تطويق المحيط للمحاط، بحيث لا يستطيع أن يفلت منه علماً بحاله التى هو عليها ولا قدرة على أن يفلت مِنْه مالاً وعاقبة، فهو سبحانه محيط علماً لأنه هو الذى لا تخفى عليه خافية، ومحيط قدرة فلا يستطيع أن يفلت أحد منه إلى الخارج. وسبحانه محيط علماً بكل جزئيات الكون وتفاصيله وهو القادر فوق كل شئ. فإذا ما سمعنا كلمة "محيط" فمعناها أن الحق سبحانه وتعالى يحيط ما يحيط به علماً بكل جزئياته فلا تستطيع جزئية أن تهرب من علم الحق. وسبحانه محيط بكل شئ قدرة فلا يستطيع أن يفلت من مآله شئ من الجزاء الحق.

 

وبعد ذلك يقول الحق جل وعلا:

 

هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109)