لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)

 

وسبحانه يوضح أمر هذه النجوى التى تحمل التبييت للإضلال، ولكن ماذا إن كانت النجوى لتعين على حق؟إنه سبحانه يستثنيها هنا؛لذلك لم يصدر حكما جازماً ضد كل نجوى، واستثنى منها نجوى من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، بل ويجزى عليها حسن الثواب. لذلك قال: "ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً". ويستخدم الحق هنا كلمة "سوف"، وكان من الممكن أن يأتى القول "فسنؤتيه أجراً عظيماً" لكن لدقة الأداء القرآنى البلغة جاءت بابعد المسافات وهى "سوف".

 

ونعرف أن جواب شرط الفعل إذا ما جاء على مسافة قريبة فنحن نستخدم "السين"، وغذا ما جاء جواب الشرط على مسافة بعيدة فنحن نستخدم "سوف". وجاء الحق هنا بـ "سوف" لأن مناط الجزاء هو الآخرة، فإياك أيها العبد المؤمن أن تقول: لماذا لم يعطنى الله الجزاء على الطيب فى الدنيا؟؛ لأن الحق سبحانه وتعالى لم يقل: "فسنؤتيه" ولكنه قال: "فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" مما يدل على أن الفضل والإكرام من الله؛ وإن كان عاجلاً ليس هو الجزاء على هذا العمل؛ لأن جزاء الحق لعباده المؤمنين سيكون كبيراً، ولا يدل على هذا الجزاء فى الآخرة إلاَ "فسوف" ونعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين يمنى أمته الإيمانية بشىء فهو يمنيها بالآخرة، ولننظر إلى بيعة العقبة عندما جاء الأنصار من المدينة لمبايعة رسول الله:

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله عصابة من أصحابه: "بايعونى على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولاتقتلوا أولا دكم ولا تأتون ببهتان تفترونه بين أيديكم وارجلكم ولا تعصوا فى معروف، فمن وفَى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فى الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله إن شاء عفا عنه وغن شاء عاقبه" (1) رواه البخارى فى كتاب الإيمان.

 

 

لقد أخذت لنفسك يا رسول الله ونحن نريد أن نأخذ لأنفسنا، ماذا لنا إن نحن وفَينا بهذا؟ ولنر عظمة الجواب وإلهامية الرد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لكم الجنة).

 

كان فى استطاعة رسول الله أن يقول لهم: غنكم ستنتصرون وإنكم ستأخذون مشارق الأرض ومغاربها وسياتى لكم خير البلاد الإسلامية كلها. لكنه بحكمته لم يقل ذلك ابداً فقد يستشهد واحد منهم فى قتال من أجل نصرة دين الله، فماذا سيأخذ فى الدنيا؟ز إنه لن يأخذ حظه من التكريم فى الدنيا، ولكنه سينال الجزاء فى الآخرة. لذلك جاء بالجزاء الذى سيشمل الكل، وهو الجنة ليدلهم على أن الدنيا أتفه من أن يكون جزاء الله محصوراً فيها، ويحض كل المؤمنين على أن يطلبوا جزاء الآخرة؛ ونعلم جميعاً هذه الحكاية، ونجد رجلاً يقول لصاحبه : أتحبنى؟ فأجاب الصاحب: نعم أحبك. فسأل السائل: على اى قدر تحبنى؟ قال الصاحب: قدر الدنيا. أجاب الرجل: ما أتفهمنى عندك!!.

 

يقول الحق: "ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" ومن صاحب "نؤتيه" والفاعل لهذا العطاء؟ إنه الحق سبحانه وتعالى الذى وصف الأجر بأنه أجر عظيم. وكأن الحق يبلغنا:

 

- يا معشر الأمة الإيمانية التحموا بمنهج رسول الله وامتزجوا به لتكونوا معه شيئاً واحداً. وإياكم أن يكون لكم رأى منفصل عن المنهج؛ فهو مبلغ عن الله، فمن آمن به فليلتحم به. ولذلك نجد سيدنا ابا بكر الصديق-رضى الله عنه- ساعة حدثوه فى حكاية افسراء والمعراج نجده يسأل محدثه: أقال رسول الله ما قلتموه..؟ فيقولون: بلى، لقد قال. فيرد عليهم الصديق: إن كان قال فقد صدق؛ فالصديق أبو بكر لا يحتاج إلى دليل على صدق ما قال رسول الله.

 

 

 

 

ويأتى الحق بالمقابل فيقول:

وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)