يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120)

 

وهذا يعنى أن الشيطان يقدم الوعود الكاذبة لمواليه ويخبرهم بشئ يسرهم، فالوعد هو أن يخبر أحد آخر بشئ يسرَه أن يوجد.

 

والمثال على ذلك نراه فى الحياة العادية فالإنسان منا يحب ماله الذى قد جاء بالتعب، والصدقة فى ظاهر الأمر تنقص المال، فيقول الحق:

(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ)

(من الآية 268 سورة البقرة)

لماذا؟.

 

لأن الشيطان يوسوس فى صدر صاحب المال قائلاً: إنك عندما تتصدق ببعض المال فمالك ينقص. وويل لمن يرضخ لوساوس الشيطان؛ لأنه يورده موارد التهلكة، والشيطان أيضاً يقدم الأمانى الكاذبة فى الوساوس : "ويمنيهم" . ومثال ذلك ماجاء على لسان المتفاخر على أخيه بلون من الاستهزاء والعياذ بالله:

(وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36))

(سورة الكهف)

 

المتفاخر يقول: مادام الله قد أعطانى فى الدنيا، ومادامت مهمة الله هى العطاء الدائم فلابد أن يعطينى ربى فى الآخرة أضعاف مافى الدنيا؛ ذلك أن سعيد الدنيا هو سعيد فى الآخرة، فماذا كان جزاؤه؟.

 

لقد رأى انهيار زراعته وعرف سوء مصير الغرور؛ لأنه استجاب لوعود الشيطان، ووعود الشيطان ليست إلا غروراً"وما يعدهم الشيطان إلا غرورا"

 

فما هو الغرور؟. هناك "غُرور" – بضم الغين- ، و"غَرور" – بفتح الغين-. والغُرور –بضم الغين- هو الشئ يُصوَر لك على أنَه حقيقة وهو فى الواقع وَهم. والغَرور – بفتح الغين- هو من يفعل هذه العملية، ولذلك فالغَرور-بفتح الغين- هو الشيطان؛ لأنه يزين للإنسان الأمر الوهمى، ويؤثر مثلما يؤثر السراب؛ فالإنسان حين يرى انكسار الأشعة يخيل إليه أنه يرى ماء، ويقول الحق عن ذلك:

(كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا)

(من الآية 39 سورة النور)

 

وكذلك الغُرور، حيث يزين الشيطان شيئاً للإنسان ويوهمه أنه سيستمتع به. فإذا ما ذهب الإنسان إليه فلن يجد له حقيقة، بل العكس، ولذلك يفصل لنا الحق أعمال الكفار فيقول عنها:

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39))

(سورة النور)

 

ويفاجأ الكافر بوجود الله الذى كان كافراً به، ويصير أمام نكبتين: نكبة أنه كان ذاهباً إلى ماء فلا يجده فيخيب أمله، والنكبة الثانية أن يجد الله الذى يحاسبه على الإنكار والكفر.

 

ويقول الحق:

(وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23))

(سورة الفرقان)

وقد يأتى واحد ويدعى لنفسه الإنسانية ويظن أنه يتكلم بالمنطق فيقول:

-   هل هؤلاء الناس الذين قدموا للبشرية كل هذه المخترعات التى أفادت الناس كالمواصلات وغيرها، أيصيرون إلى عذاب؟. ونقول: هؤلاء سيأخذون جزاء الكفر؛ لأن الواحد منهم قد عمل أعماله وليس فى باله الله. بل قام بتلك الأعمال وفى باله عبقرية الابتكار والإنسانية وهو يأخذ من الإنسانية التكريم، وعليه أن يطلب أجره ممن عمل وليس ممن لم يعمل له، وينطبق عليه قول الرسول:

 

عن أبى هريرة قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول:( إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعَرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت ولكنَك قاتلت لأن يقال جرئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن فأتى به فعَرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعَلمَته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعَرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال: ماتركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به غسحب على وجهه ثم ألقى فى النار) (1) أخرجه الإمام مسلم فى صحيحه فى الجهاد. وأخرجه كذلك النسائى والترمذى وابن ماجه

.

ولم يغمطهم الله جزاء أعمالهم فى الدنيا. فقد أخذوا من الدنيا كل التكريم.

 

ووزع سبحانه فضل هذه المواهب على الناس الذين فى بالهم الله؛ لذلك ترى المسلم غير المتعلم يركب الطائرة ليحج بيت الله ويُسجل أحاديث الإيمان على شرائط ليسمعها من لم يحضر ويشاهد هذه الشعيرة، إذن فهؤلاء الكافرون مسخرون للمؤمنين لأنهم أتاحوا لهم الانتفاع بعلمهم واكتشافاتهم، والمؤمنون أيضاً مطالبون بأن ي|أخذوا بأسباب الله لينالوا كرم الله فى عطاء العلم، بل إن ذلك واجب عليهم يأثمون إذا لم يقوموا به حتى لا يكونوا عالة على سواهم، فلا يستذلون.

 

"وما يعدم الشيطان إلا غرورا" وماذا يكون نصيب هؤلاء فى الآخرة؟ يقول سبحانه:

 

أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)