يقول الحق سبحانه :

{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(4) }

 

الرمى : قذف شئ بشئ ، و المحصنات : جمع محصنة من الإحصان ، و هو الحفظ ، و منه قولنا : فلان عنده حصانة برلمانية مثلا" . يعنى : تكفل القانون بحفظه ؛ لذلك إن أرادوا محاسبته أو مقاضاته يرفعون عنه الحصانه أولا" ، و منه أيضا" كلمة الحصن و هو الشئ المنيع الذى يحمى من بداخله .

يقول تعالى : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ...(80) } ]الأنبياء[ يعنى : الدروع التى تحمى الإنسان و تحفظه فى الحرب .

والمحصنات : تطلق على المتزوجة ، لأنها حصنت نفسها بالزواج أن تميل إلى الفاحشة ، و تطلق أيضا" على الحرة ، لأنهم فى الماضى كانت الإماء هن اللائى يدعين لمسألة البغاء ، إنما لا تقدم عليها الحرائر أبدا" .

لذلك فإن السيدة هنداً * التي نـُسيدها الآن بعد إسلامها ، و هى التى لاكت كبد سيدنا حمزة فى غزوة أحد ، لكن لا عليها الآن ؛ لأن الإسلام يجب ما قبله . لما سمعت السيدة هند رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهى النساء عن الزنا قالت : أو تزنى حرة ؟ ** لأن الزنا انتشر قبل الإسلام بين البغايا من الإماء ، حتى كانت لهن رايات يرفعنها على بيوتهن ليعرفن بها .

*( هي : هند بنت عتبة بن ربيعة أم معاوية بن أبى سفيان ، و هي زوجة أبى سفيان بن حرب ، و هي التي لاكت كبد حمزة عم رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة أحد بعد أن قتله وحشي بتدبير منها ( هي : هند بنت عتبة بن ربيعة أم معاوية بن أبى سفيان ، و هي زوجة أبى سفيان بن حرب ، و هي التي لاكت كبد حمزة عم رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة أحد بعد أن قتله وحشي بتدبير منـــها

**( أورده ابن كثير فى تفسيره (4/353) فى تفسير آية يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ...(12) [ الممتحنة] و فيه أنها قالت : يا رسول الله و هل تزنى امرأة حرة ؟ قال : " لا و الله ما تزنى الحرة ")

 

و المعنى : يرمون المحصنات بما ينافى الإحصان ، و المراد الزنا { ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ... (4) }[النور]

و هذا يسمى حد القذف ، أن ترمى حرة بالزنا و تتهمها بها ، ففى هذه حالة عليك أنت حد القذف ثمانين جلدة ، ثم لا ينتهى الأمر عند الجلد ، إنما لا تقبل منك شهادة بعد ذلك أبدا" .

{ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ...(4) } [النور] لماذا ؟ لأنه لم يعد أهلا" لها ؛ لأنه فاسق { وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(4) } [النور] و الفاسق لا شهادة له ، و هكذا جمع الشارع الحكيم على القاذف حد الجلد ، ثم أسقط اعتباره من المجتمع بسقوط شهادته ، ثم وصفه بعد ذلك بالفسق ، فهو فى مجتمعه ساقط الاعتبار ساقط الكرامة .

هذا كله ليزجر كل من تسول له نفسه الخوض فى أعراض الحرائر و اتهام النساء الطاهرات ؛ لذلك عبر عن القذف بالرمى ؛ لأنه غالبا" ما يكون عن عجلة و عدم بينة ، فالحق – تبارك و تعالى - يريد أن يحفظ مجتمع الإيمان من أن تشيع فيه الفاحشة ، أو مجرد ذكرها و الحديث عنها .