يقول الحق سبحانه:

{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ

شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ(6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ

الْكَاذِبِينَ (7) }

سبب نزول الآية : عن ابن عباس قال : لما نزلت : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ... (4) } [ النور ] قال سعد بن عبادة و هو سيد الأنصار : أهكذا أنزلت يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه و سلم : ألا تسمعوا يا معشر الأنصار إلى ما يقول سيدكم ؟ قالوا : يا رسول الله إنه رجل غيور ، و الله ما تزوج امراة إلا بكرا" ، و ما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها من شدة غيرته . فقال سعد : و الله يا رسول الله إنى لأعلم أنها حق ز أنها من عند الله ، و لكن قد تعجبت أن لو وجدت لكاع قد تفخذها رجل لم يكن لى ان اهيجه و لا أحركه حتى آتى بأربعة شهداء ، فوالله إنى لا آتى بهم حتى يقضى حاجته . فما لبثوا إلا يسيرا" حتى جاء هلال بن أمية من أرضه عشيا" فوجد عند أهله رجلا" فرأى بعينه و سمع بأذنه فلم يهيجه حتى أصبح و غدا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره بما كان ، فكره رسول الله ما جاء به و اشتد عليه فقال سعد بن عبادة : الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم هلال بن أمية و يبطل شهادته فى المسلمين . فقال هلال : و الله إنى لأرجو أن يجعل الله لى منها مخرجا" . فنزلت آية { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ ... (6) } [ النور ] فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أبشر يا هلال ، فقد جعل الله لك فرجا" و مخرجا" . فقال : قد كنت أرجو ذاك من ربى . و ذكر باقى الحديث . أخرجه الواحدى فى أسباب النزول ( ص 180 , 181 . )

بعد أن تكلم الحق – تبارك و تعالى – عن الذين يرمون المحصنات ، و بين حكم القذف ، أراد أن يبين حكم الرمى إن كان من الزوج لزوجته ؛ لأن الأمر هنا مختلف ، و ربما يكون بينهما أولاد منه أو من غيره ، فعليه أن يكون مؤدبا" بأدب الشرع ، و لا يجرح الأولاد برمى أمهم و لا ذنب لهم .

لذلك شرع الحق – سبحانه و نعالى – فى هذه الحالة حكما" خاصا" بها هو الملاعنة ، و قد سميت هذه الآية آية اللعان .

و يروى أن هلال بن أمية ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال له يا رسول الله إنى رأيت فلانا" على بطن زوجتى ، فإن تركته لآتى بأربعة شهداء لقضى حاجته و انصرف ، و إن قتلته فقد اعتديت عليه ( لفظ الحديث عند الإمام أحمد فى مسنده (1/238) من حديث ابن عباس رضى الله عنهما أن هلال بن أمية – و هو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم – جاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا" فرأى بعينيه و سمع بأذنيه فلم يهيجه حتى أصبح فغدا على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : يا رسول الله ، إنى جئت أهلى عشاء فوجدت عندها رجلا" فرأيت بعينى و سمعت بأذنى ، الحديث ) .

إذن : ما حل اللغز ؟

وينبغى أن نعلم أن الله تعالى لا ينزل التشريع و الحكم بداية ، إنما يترك فى الكون من أقضية الحياة و أحداثها ما يحتاج لهذا الحكم ، بحيث ينزل الحكم فيصادف الحاجة إليه ، كما يقولون : موقع الماء من ذى الغلة الصادى ، يعنى : حين ينزل الحكم يكون له موضع فيتلقفه الناس ، و يشعرون أنه نزل من أجلهم بعد ان كانوا يستشرفون لحكم فى مسألة لم يأت فيها حكم .

و قد شرع الله تعالى حكم الملاعنة او اللعان خاصة ، لهذه الحالة التى يلاحظ فيها الزوج شيئا" على أهله ، و قد يضع يده عليه ، لكن لا يستطيع أن يأتى عليه بشهود ليثبت هذه الحالة ؛ لذلك جعله الشارع الحكيم يقوم وحده بهذه الشهادة ، و يكررها أربع مرات بدل الشهداء الأربع .

يقول : أشهد الله أننى صادق فيما رميت به امرأتى ، يقولها أربع مرات , و فى الخامسة يقول : و لعنة الله على إن كنت كاذبا" ، و هكذا ينتهى دور الزوج فى الملاعنة .