يقول الحق سبحانه :

{ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ(25) }

قوله : { يَوْمَئِذٍ ...(25) } [النور] أى : يوم أن تحدث هذه الشهادة ، و هو يوم القيامة { يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ ...(25) } [النور] الدين : يُطلق على منهج الله لهداية الخلق ، و يُطلق على يوم القيامة ، و يطلق على الجزاء .

فالمعنى : يوفيهم الجزاء الذى يستحقونه { الْحَقَّ ...(25) } [النور] أى : العدل الذى لا ظلم فيه و لا تغيير ، فليس الجزاء جُزَافاً ، إنما جزاء بالحق ؛ لأنه لم يحدث منهم توبة ، و لا تجديد إيمان ؛ لذلك لابد أن يقع بهم ما حذرناهم منه و أخبرناهم به من العقاب ، و ليس هناك إله آخر يُغير هذا الحكم أو يؤخره عنهم .

لذلك بعد أن قال تعالى : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ(1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ(2) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ(3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ(4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ(5) } [المسد]

أبو لهب : هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم ، قرشى ، عم رسول الله صلى الله عليه و سلم من أشد الناس عداوة للمسلمين ، كان غنياً عتياً ، كبر عليه أن يتبع ديناً جاء به ابن أخيه ، فآذى أنصاره ، و حرض عليهم و قاتلهم ، كان أحمر الوجه مشرقاً ، فلقب فى الجاهلية بأبى لهب ، مات بعد وقعة بدر بأيام عام 2 هــ . [ الأعلام للزركلى 4 / 12 ] .

هى : أم جميل ، و أسمها أروى بنت حرب بن أمية و هى أخت أبى سفيان ، و كانت عوناً لزوجها أبى لهب على كفره و جحوده و عناده ، فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه فى عذابه فى نار جهنم ، فتحمل الحطب فتلقى على زوجها ليزداد على ما هو فيه . [ قاله ابن كثير فى تفسيره 4 / 564 ] .

قال بعدها : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1) اللَّهُ الصَّمَدُ(2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ(4) } [الإخلاص]

يعنى : ليس هناك إله آخر يُغير هذا الكلام ، فما قُلْته سيحدث لا محالة .

ثم يقول تعالى : { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ(25) } [النور] و { الْحَقُّ ...(25) } [النور] هو الشئ الثابت الذى لا يتغير ، فكل ما عدا الله تعالى مُتغير ، إذن : فالله بكل صفات الكمال فيه سبحانه لا تغيير فيه ، لذلك يقولون : إن الله تعالى لا يتغير من أجلنا ، و لكن يجب أن نتغير نحن من أجل الله ، كما قال سبحانه : { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ...(11) } [الرعد]

فالله هو الحق الثابت ، هذا بالبراهين العقلية و بالواقع ، و قد عرفنا الكثير من البراهين العقلية ، أما الواقع فإلى الآن لم يظهر من يقول أنا الله و يدعى هذا الكون لنفسه ، و صاحب الدعوى تثبت له إن لم يقم عليها معارض و معنى { الْمُبِينُ(25) } [النور] الواضح الظاهر الذى تشمل أحقيته الوجود كله .