لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)

وانظر إلي قوله سبحانه:

لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً ... (25)
(سورة النحل)


لترى كيف يوضح الحق سبحانه أن النفس البشرة لها أحوال متعددة؛ وإذا أسرفت على نفسها في تلك الجوانب؛ فهي قد تسرف في الجانب الأخلاقي؛ والجانب الاجتماعي؛ وغير ذلك، فتأخذ وزر كل ما تفعل. ويوضح هنا الحق سبحانه أيضاً أن تلك النفس التي ترتكب الأوزار حين تضل نفساً غيرها فهي لا تتحمل من أوزار النفس التي أضلتها إلا ما نتج عن الإضلال؛ فيقول:

.... بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)
(سورة النحل)


ذلك أن النفس التي تم إضلالها قد ترتكب من الأوزار في مجالات أخرى ما لا يرتبط بعملية الإضلال. والحق سبحانه أعدل من أن يحمل حتى المضل أوزاراً لم يكن هو السبب فيها؛ ولذلك قال الحق سبحانه هنا:

... وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ...(25)
(سورة النحل)


أي: أن المضل يحمل أوزار نفسه، وكذلك يحمل بعضاً من أوزار الذين أضلهم؛ تلك الأوزار الناتجة عن الإضلال. وفي هذا مطلق العدالة من الحق سبحانه وتعالى، فالذين تم إضلالهم يرتكبون نوعين من الأوزار والسيئات؛ أوزار وسيئات نتيجة الإضلال؛ وتلك يحملها معهم من أضلوهم. أما الأوزار والسيئات التي ارتكبوها بأنفسهم دون أن يدفعهم لذلك من أضلوهم؛ فهم يتحملون تبعاتها وحدهم، وبذلك يحمل كل إنسان أحمال الذنوب التي ارتكبها.

<وقد حسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك حين قال: "والذي نفس محمد بيده، لا ينال أحد منكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر">
أخرجه مسلم فى صحيحه والبخارى فى صحيحه من حديث ابى حميد الساعدى ومعنى تيعر أى تصيح والخوار صوت البقره

وقس على ذلك من سرق في الطوب والأسمنت والحديد وخدع الناس. وحين يقول الحق سبحانه:

....ِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ...(25)
(سورة النحل)


إنما يلفتنا إلي ضرورة ألا تلهينا الدنيا عن أهم قضية تشغل بال الخليقة، وهي البحث عن الخالق الذي أكرم الخلق، وأعد الكون لاستقبالهم. وكان يجب على هؤلاء الذين سمعوا من كفار قريش أن يبحثوا عن الرسول، وأن يسمعوا منه؛ فهم أميون لم يسبق أن جاءهم رسول؛ وقد قال فيهم الحق سبحانه:

وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)
(سورة البقرة)


فإذا ما جاءهم الرسول كان عليهم أن يبحثوا، وأن يسمعوا منه لا نقلاً عن الكفار؛ ولذلك سيعاقبهم الله؛ لأنهم أهملوا قضية الدين، ولكن العقوبة الشديدة ستكون لمن كان عندهم علم بالكتاب. والحق سبحانه هو القائل:

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)
(سورة البقرة)


ويصف الحق سبحانه من يحملون أوزارهم وبعضاً من أوزار من أضلوهم:

....أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)
(سورة النحل)


أي: ساء ما يحملون من آثام؛ فهم لم يكتفوا بأوزارهم، بل صدوا عن سبيل الله، ومنعوا الغير أن يستمع إلي قضية الإيمان. ومن نتيجة ذلك أن يبيح من لم يسمع لنفسه بعضاً مما حرم الله؛ فيتحمل من صدهم عن السبيل وزر هذا الإضلال.

<ولذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "شركم من باع دينه بدنياه، وشر منه من باع دينه بدنيا غيره">
أخرج مسلم فى صحيحه من حديث ابى هريره رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "بادروا بالاعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا او يمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا وقداخرج ابن ابى الدنيا فى "ذم الدنيا" ان عبدالرحمن بن زيد اسلم قال "الخاسر من عمر دنياه بخراب اخرته والخاسر من استصلح معاشه بفساد دينه والمغبون حظا من رضى بالدنيا من الأخره"

فمن باع الدين ليتمتع قليلاً؛ يستحق العقاب؛ أما من باع دينه ليتمتع غيره فهو الذي سيجد العقاب الأشد من الله.
ويقول سبحانه من بعد ذلك