وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)
الحق تبارك وتعالى في هذه الآية ينقلنا إلى آية مادية محسة لا ينكرها أحد، وهي إنزال المطر من السماء، وإحياء الأرض الميتة بهذا المطر؛ ليكون ذلك دليلاً محسوساً على قدرته تعالى، وأنه مأمون على خلقه.
وكأنه سبحانه يقول لهم: إذا كنت أنا أعطيكم كذا وكذا، وأوفر لكم الأمر المادي الذي يفيد عنايتي بكم، فإذا أنزلت لكم منهجاً ينفعكم ويصلح أحوالكم فصدقوه.
فهذا دليل مادي محس يوصلهم إلى تصديق المنهج المعنوي الذي جاء على يد الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ....(82)
(سورة الإسراء)


وقوله:

وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً...(65)
(سورة النحل)


هذه آية كونية محسة لا ينكرها أحد. ثم يقول:

.....فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا.... (65)
(سورة النحل)


موت الأرض، أي حالة كونها جدباء مقفرة لا زرع فيها ولا نبات، وهذا هو الهلاك بعينه بالنسبة لهم، فإذا ما أجدبت الأرض استشرفوا لسحابة، لغمامة، وانتظروا منها المطر الذي يحيي هذه الأرض الميتة .. يحييها بالنبات والعشب بعد أن كانت هامدة ميتة.
فلو قبض ماء السماء عن الأرض لمتم جوعاً، فخذوا من هذه الآية المحسة دليلاً على صدق الآية المعنوية التي هي منهج الله إليكم على يد رسوله صلى الله عليه وسلم، فكما أمنتني على الأولى فأمني على الثانية. وقوله:

..... إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)
(سورة النحل)


مع أن هذه الآية ترى بالعين ولا تسمع، قال القرآن:

.... لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)
(سورة النحل)


.. لماذا؟
قالوا: لأن الله سبحانه أتى بهذه الآية ليلفتهم إلى المنهج الذي سيأتيهم على يد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا المنهج يسمع من الرسول المبلغ لمنهج الله.
مثال ذلك أيضاً في قوله تعالى:

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)
(سورة القصص)


فالضياء يرى لا يسمع .. لكنه قال: (أفلا تسمعون) لأنه يتكلم عن الليل، ووسيلة الإدراك في الليل هي السمع. ثم يقول الحق تبارك وتعالى

وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)