وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) | |||
الحق
سبحانه في الآية السابقة قنن لنا قضية القمة ـ قضية العقيدة ـ في أننا لا
نعطي شيئاً جعله الله لنفسه سبحانه من العبودية والألوهية والطاعة وغيرها،
لا نعطيها لغيره سبحانه .. وإذا صحت هذه القضية العقدية صحت كل قضايا الكون.
|
ليزداد
الإلف والمحبة والمودة بينكم؛ ولذلك نجد في قصة سيدنا سليمان عليه السلام ـ والهدهد،
حينما تفقد الطير وعرف غياب الهدهد قال:
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا
شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)
(سورة النمل)
وهذا سلطان الملك الذي أعطاه الله لسليمان .. قالوا في:
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا
شَدِيدًا ....(21)
(سورة النمل)
أي: يضعه في غير جنسه .. إذن: وضعه في غير جنسه نوع من العذاب .. وتكون (من أنفسكم)
نعمة ورحمة من الله.
وفي الآية الأخرى يذكر سبحانه عناصر ثلاثة لاستبقاء العلاقة الزوجية، فيقول تعالى:
وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ
خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ
بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ (21)
(سورة الروم)
ولو تأملنا هذه المراحل الثلاثة لوجدنا السكن بين الزوجين، حيث يرتاح كل منهما إلى
الآخر، ويطمئن له ويسعد به، ويجد لديه حاجته .. فإذا ما اهتزت هذه الدرجة ونفر
أحدهما من الآخر جاء دور المودة والمحبة التي تمسك بزمام الحياة الزوجية وتوفر
لكليهما قدراً كافية من القبول.
فإذا ما ضعف أحدهما عن القيام بواجبه نحو الآخر جاء دور الرحمة، فيرحم كل منهما
صاحبه .. يرحم ضعفه .. يرحم مرضه .. وبذلك تستمر الحياة الزوجية، ولا تكون عرضة
للعواصف في رحلة الحياة.
فإذا ما استنفدنا هذه المراحل، فلم يعد بينهما سكن ولا مودة ولا حتى يرحم أحدهما
صاحبه فقد استحالت بينهما الشعرة، وأصبح من الحكمة مفارقة أحدهما للآخر.
وهنا شرع الحق سبحانه الطلاق ليكون حلاً لمثل هذه الحالات، ومع ذلك جعله ربنا
سبحانه أبغض الحلال، حتى لا نقدم عليه إلا مضطرين مجبرين.
عن
ابن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ابغض الحلال الى الله عز
وجل الطلاق "اخرجه ابوداود فى سننه وابن ماجه فى سننه
وقوله تعالى:
.... وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً .....(72) |
(سورة النحل)
البنون هم الحلقة الأولى لاستبقاء الحياة، والحفدة وهم ولد الولد، هم الحلقة
الثانية لاستبقاء الحياة؛ ذلك لأن الإنسان بطبعه يحب الحياة ويكره الموت، وهو يراه
كل يوم يحصد النفوس من حوله .. فإيمانه بالموت مسألة محققة، فإذا ما تيقن أن الحياة
تفوته في نفسه أراد أن يستبقيها في ولده .. ومن هنا جاء حب الكثيرين منا، للذكور
الذين يمثلون امتداداً للآباء.
فإذا ما رزقه الله الأبناء، وضمن له الجيل الأول تطلع إلى أن يرى أبناء الأبناء؛
ليستبقي الحياة له ولولده من بعده؛ ولذلك فالشاعر الذي يخاطب ابنه يقول له:
أبني .. يا أنا بعدما أقضي
وهذه هي نظرة الناس إلى الأولاد، أنهم ذكر لهم بعد موتهم .. وكأن اسمه موصول لا
ينتهي. ويقول الله تبارك وتعالى:
..... بَنِينَ وَحَفَدَةً ..... (72) |
(سورة النحل)
تدلنا على ضرورة الحرص على اندماج الأجيال .. زوجين، ثم أبناء وحفدة .. فما فائدة
اندماج الأجيال؟ ما فائدة المعاصرة والمخالطة بين الجد وحفيده؟
نلاحظ أن الوليد الصغير يبدأ عنده الإدراك بمجرد أن تعمل وسائل الإدراك عنده، فيبدأ
يلتقط ممن حوله ويتعلم منهم .. فإذا كان له أخوة اكبر منه تعلم منهم مثلاً بابا ..
ماما .. فإذا لم يكن له أخوة نعلمه نحن هذه الكلمات.
ولذلك نرى الطفل الثاني أذكى من الأول، والثالث أذكى من الثاني .. وهكذا لأنه يأخذ
ممن قبله وممن حوله، فيزداد بذلك إدراكه، وتزداد خبراته ومعلوماته. ولنتصور أن هذا
الابن أصبح أباً، وجاء الحفيد الذي يعاصر الجيلين؛ جيل الأب وجيل الجد، يشب الصغير
في أحضانهما، فتراه يأخذ من أبيه نشاطه في حركة الحياة وسعيه للرزق.
في حين أنه يأخذ من جده القيم الدينية حيث الجد في البيت باستمرار بعد أن تقدم به
العمر فأقبل على الطاعة والعبادة .. فيسمع منه الصغير قراءة القرآن .. متى يؤذن
للظهر .. يا ولد هات المصحف .. يا ولد هات السجادة لأصلي، إلى غير هذه من الكلمات
التي يأخذ منها الصغير هذه القيم.
إذن: الحفيد يلتقط لوناً من النشاط والحركة في جيل أبيه، ويلتقط لوناً من القيم في
جيل جده؛ ولذلك فإن ابتعاد الأجيال يسبب نقصاً في تكوين الأطفال، والحق سبحانه يريد
أن تلتحم الأجيال لتكتمل للطفل عناصر التربية بين القيم المعنوية والحركة والنشاط.
وقوه تعالى:
.....وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) |
(سورة النحل)
الطيبات في الرزق الذي جعله الله لاستبقاء الحياة، وفي الزواج الذي جعله الله
لاستبقاء النوع. ثم يقول تعالى:
..... أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) |
(سورة النحل)
الباطل: هو الأصنام التي اتخذوها من دون الله.
وفي الآية استفهام للتعجب والإنكار .. كيف تكفرون بنعمة الله وقد خلقكم في البدء من
نفس واحدة، وخلق منها زوجها .. وجعل لكم من أنفسكم أزواجاً .. وجعل بينكم سكناً
ومودة ورحمة، ثم جعل لكم البنين والحفدة، ورزقكم من نعم الحياة ما يستبقي حياتكم،
ومن نعم الأزواج ما يستبقي نوعكم، وجعلكم في نعمة ورفاهية .. خلقكم من عدم، وأمدكم
من عدم.
أبعد ذلك كله تجحدون نعمته وتكفرونها، وبدل أن تقبلوا عليه وتلتفتوا إليه تنصرفون
إلى عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع .. وهل عملت لكم الأصنام شيئاً من ذلك؟! هل
أنعمت عليكم بنعمة من هذه النعم؟!
هذه الأصنام محتاجة إليكم .. تأخذ منكم ولا تعطيكم .. فهذا مائل يريد من يقيمه ..
وهذا كسر يحتاج لمن يصلحه .. انقل الإله .. ضع الإله في مكان كذا .. الخ.
ولذلك يقول تعالى في الآية بعدها
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)