فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82)

أي: لا تحزن يا محمد إذا أعرض قومك، فلست مأموراً إلا بالبلاغ، ويخاطبه الحق سبحانه في آية أخرى:

لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)
(سورة الشعراء)


أي: مهلكها. وقال تعالى:

إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)
(سورة الشعراء)


لكن الدين لا يقوم على السيطرة على القالب، وفرق بين السيطرة على القالب والسيطرة على القلب، فيمكنك بمسدس في يدك أن ترغمني على ما تريد، لكنك لا تستطيع أبداً أن ترغم قلبي على شيء لا يؤمن به، والله يريد منا القلوب لا القوالب، ولو أراد منا القوالب لجعلها راغمة خاضعة لا يشذ منها واحد عن مراده سبحانه.
ولذلك حينما أرسل الله سليمان ـ عليه السلام ـ وجعله ملكاً رسولاً لم يقدر أحد أن يقف في وجهه، أو يعارضه لما له من السلطان والقوة إلى جانب الرسالة .. أما الأمر في دعوته صلى الله عليه وسلم فقائم على البلاغ فقط دون إجبار. وقوله:

.... الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82)
(سورة النحل)


أي: البلاغ التام الكامل الذي يشمل كل جزئيات الحياة وحركاتها، فقد جاء المنهج الإلهي شاملاً للحياة بداية بقول: لا إله إلا الله حتى إماطة الأذى عن الطريق، فلم يترك شيئاً إلا حدثنا فيه، فهذا بلاغ مبين محيط لمصالح الناس .. فلا يأتي الآن من يتمحك ويقول: ربنا ترك كذا أو كذا .. فمنهج الله كامل، فلو لم تأخذوه ديناً لوجب عليكم أن تأخذوه نظاماً.
ونرى الآن الأمم التي تعادي الإسلام تتعرض لمشاكل في حركة الحياة لا يجدون لها حلاً في قوانينهم، فيضطرون لحلول أخرى تتوافق تماماً أو قريباً من حل القرآن ومنهج الحق سبحانه وتعالى.
ثم يقول الحق سبحانه:

يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)