وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87)

السلم: أي الاستسلام .. فقد انتهى وقت الاختيار ومضى زمن المهلة، تعمل أو لا تعمل. إنما الآن (لمن الملك اليوم)؟ الأمر والملك لله، وماداموا لم يسلموا طواعية واختياراً، فليسلموا له قهراً ورغماً عن أنوفهم.
وهنا تتضح لنا ميزة من ميزات الإيمان، فقد جعلني استسلم لله عز وجل مختاراً، بلد أن استسلم قهراً يوم أن تتكشف الحقيقة على أنه لا إله إلا الله، وسوف يواجهني سبحانه وتعالى في يوم لا اختيار لي فيه.
وقوله:

....وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87)
(سورة النحل)


كلمة: الضلال ترد بمعانٍ متعددة، منها: ضل أي غاب عنهم شفعاؤهم، فأخذوا يبحثون عنهم فلم يجدوهم، ومن هذا المعنى قوله تعالى:

وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ....(10)
(سورة السجدة)


أي: يغيبوا في الأرض، حيث تأكل الأرض ذراتهم، وتغيبهم في بطنها .. وكذلك نقول: الضالة أي الدابة التي ضلت أي: غابت عن صاحبها. ومن معاني الضلال: النسيان، ومنه قوله تعالى:

.....أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى .... (282)
(سورة البقرة)


ومن معانيه: التردد، كما في قوله تعالى:

وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)
(سورة الضحى)


فلم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهج ثم تركه وانصرف عنه وفارقه، ثم هداه الله .. بل كان صلى الله عليه وسلم متحيراً متردداً فيما عليه سادة القوم وأهل العقول الراجحة من أفعال تتنافى مع العقل السليم والفطرة النيرة، فكانت حيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يراه من أفعال هؤلاء وهو لا يعرف حقيقتها.
فقوله:

....وَضَلَّ عَنْهُمْ ....(87)
(سورة النحل)


أي: غاب عنهم:

....مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87)
(سورة النحل)


أي: يكذبون من ادعائهم آلهة وشفعاء من دون الله.
ثم يقول الحق سبحانه:

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)