إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)

لحكمة أرادها الخالق سبحانه أن جعل للشيطان سلطاناً. أي: تسلطاً. وكلمة (السلطان مأخوذة من السليط، وهو الزيت الذي كانوا يوقدون به السرج والمصابيح قبل اكتشاف الكهرباء، فكانوا يضعون هذا الزيت في إناء مغلق مثل السلطانية يخرج منه فتيلة، وعندما توقد تمتص من هذا الزيت وتضيء؛ ولذلك سميت الحجة سلطاناً؛ لأنها تنير لصاحبها وجه الحق.
والسلطان، إما سلطان حجة تقنعك بالفعل، فتفعل وأنت راضٍ مقتنع به. وإما سلطان قهر وغلبة يجبرك على الفعل ويحملك عليه قهراً دون اقتناع به.
إذن: تنفيذ المطلوب له قوتان: قوة الحجة التي تضيء لك وتوضح أمامك معالم الحق، وقوة القهر التي تجبرك على تنفيذ المطلوب عن غير اقتناع وإن لم ترها.
والحقيقة أن الشيطان لا يملك أياً من هاتين القوتين، لا قوة الحجة والإقناع، ولا قوة القهر. وهذا واضح في قول الحق تبارك وتعالى على لسان الشيطان يوم القيامة:

وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)
(سورة إبراهيم)


هذا حوار يدور يوم القيامة بعد أن انتهت المسألة وتكشفت الحقيقة، وجاء وقت المصارحة والمواجهة. يقول الشيطان لأوليائه متنصلاً من المسئولية: ما كان عندي من سلطان عليكم، لا سلطان حجة تقنعكم أن تفعلوا عن رضاً، ولا سلطان قهر أجبركم به أن تفعلوا وأنتم كارهون، أنا فقط أشرت ووسوست فأتيتموني طائعين.

....مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ...(22)
(سورة إبراهيم)


أي: نحن في الخيبة سواء، فلا أستطيع نجدتكم، ولا تستطيعون نجدتي؛ لأن الصراخ يكون من شخص وقع في ضائقة أو شدة لا يستطيع الخلاص منها بنفسه، فيصرخ بصوت عالٍ لعله يجد من يغيثه ويخلصه، فإذا ما استجاب له القوم فقد أصرخوه. أي: أزالوا سبب صراخه.
إذن: فالمعنى: لا أنا أستطيع إزالة سبب صراخكم، ولا أنتم تستطيعون إزالة سبب صراخي. وكذلك في حوار آخر دار بين أهل الباطل الذين تكاتفوا عليه في الدنيا، وهاهي المواجهة يوم القيامة:

وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30)
(سورة الصافات)


والمراد بقوله: (عن اليمين) أن الإنسان يزاول أعماله بكلتا يديه، لكن اليد اليمنى هي العمدة في العمل، فأتيته عن اليمين أي: من ناحية اليد الفاعلة.

 وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30)
(سورة الصافات)


أي: في انتظار إشارة منا، مجرد إشارة، فسارعتم ووقعتم فيما وقعتم فيه. فعلى من يكون تسلط الشيطان وتلك الغلبة والقهر؟
يوضح الحق تبارك وتعالى أن تسلط الشيطان لا يقع على من آمن به رباً، ولجأ إليه واعتصم به، ومادمت آمنت بالله فأنت في معيته وحفظه، ولا يستطيع الشيطان وهو مخلوق لله تعالى أن يتسلط عليك أو يغلبك.
إذن: الحصن الذي يقينا كيد الشيطان هو الإيمان بالله والتوكل عليه سبحانه. فعلى من إذن يتسلط الشيطان؟ يوضح الحق تبارك وتعالى الجانب المقابل، فيقول