ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)

قوله تعالى:

....فُتِنُوا ......(110)
(سورة النحل)


أي: ابتلوا وعذبوا عذاباً أليماً؛ لأنهم أسلموا. وقوله:

..... إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)
(سورة النحل)


من رحمة الله تعالى أن يفتح باب التوبة لعبادة الذين أسرفوا على أنفسهم، ومن رحمته أيضاً أن يقبل توبة من يتوب؛ لأنه لو لم يفتح الله باب التوبة للمذنب ليئس من رحمة الله، ولتحول ـ وإن أذنب ولو ذنباً واحداً ـ إلى مجرم يشقى به المجتمع، فلم ير أمامه بارقة أمل تدعوه إلى الصلاح، ولا دافعاً يدفعه إلى الإقلاع.
أما إذا رأى باب ربه مفتوحاً ليل نهار يقبل توبة التائب، ويغفر ذنب المسيء، كما جاء في الحديث الشريف: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها"
أخرجه مسلم فى صحيحه من حديث ابى موسى الشعرى .قال النووى فى شرح مسلم "قال المازرى :المراد به قبول التوبة ،وانما ورد لفظ بسط اليد لأن العرب اذا رضى احدهم الشيىء بسط يده لقبوله واذا كرهه قبضها عنه فخوطبوا بامر حسى يفهمونه وهو مجاز فان يد الجارحة مستحيلة فة حق الله تعالى".
بل ويزيده ربنا سبحانه وتعالى من فضله إن احسن التوبة وندم على ما كان منه، بأن يبدل سيئاته حسناتٍ، كما قال سبحانه:

إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)
(سورة الفرقان)


لو رأى المذنب ذلك كان أدعى لإصلاحه، وأجدى في انتشاله من الوهدة التي تردى فيها. إذن: تشريع التوبة من الحق سبحانه رحمة، وقبولها من المذنب رحمة أخرى؛ لذلك قال سبحانه:

...... ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا .....(118)
(سورة التوبة)


أي: شرع لهم التوبة ودلهم عليها، ليتوبوا هم. فإن اغتر مغتر برحمة الله وفضله فقال: سأعمل سيئات كثيرة حتى يبدلها الله لي حسنات. نقول له: ومن يدريك لعله لا ينطبق عليك شروط الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات، وهل تضمن أن يمهلك الأجل إلى أن تتوب، وأنت تعلم أن الموت يأتي بغتة؟
ثم يقول الحق سبحانه:

يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)