قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)

كلمة :

..... نَسْتَبِقُ .....(17)
(سورة يوسف)


تعبر عن بيان تفوق ذات على ذات في حركة ما؛ لنرى سيسبق الآخر؛ فحين يتسابق اثنان في الجري نرى من فيهما سبق الآخر؛ وهذا هو الاستباق. وقد يكون الاستباق في حركة بآلة؛ كان يمسك إنسان ببندقية ويصوبها إلى الهدف؛ ويأتي آخر ويمسك ببندقية أخرى ويحاول أن يصيب الهدف؛ ومن يسبق منهما في إصابة الهدف يكون هو المتفوق في هذا المجال.
وقد يكون الاستباق في الرمي بالسهام؛ ونحن نعرف شكل السهم؛ فهو عبارة عن غصن مرن، ويلتوي دون أن ينكسر؛ ومثبت عليه وتر، ويوضع السهم في منتصف الوتر، ليشده الرامي فينطلق السهم إلى الهدف. وتقاس دقة إصابة الهدف حسب شدة السهم وقوة الرمي، ويسمى ذلك "تحديد الهدف". أما إذا كان التسابق من ناحية طول المسافة التي يقطعها السهم؛ فهذا لقياس قوة الرامي.
وهكذا نجد الاستباق له مجالات متعددة؛ وكل ذلك حلال؛ فهم أسباط وأولاد يعقوب، ولا مانع أن يلعب الإنسان لعبة لا تلهيه عن واجبه؛ وقد تنفعه فيما يجد من أمور؛ فإذا التقى بعدو نفعه التدريب على استخدام السهم أو الرمح أو أداة قتال؛ واللعب الذي لا ينهي عن طاعة، وينفع وقت الجد هو لعب حلال. وهناك ألعاب قد لا يدرك الناس لها غاية مثل كرة القدم.
وأقول: قد يوجد عدوان؛ وبينهما قنبلة موقوتة؛ ويحاول كل طرف أن يبعدها عن موقعه، والقوة والحكمة تظهر في محاولة كل فريق في إبعاد الكرة عن مرماه. ولكن لابد ألا يلهي لعب الكرة عن واجب؛ فمثلاً حين يؤذن المؤذن للصلاة، والواجب علينا ألا نهمل الصلاة ونواصل اللعب، وعلى اللاعبين أن يراعوا عدم ارتداء ملابس تكشف عن عوراتهم. وأبناء يعقوب قالوا:

.....وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا ..... (17)
(سورة يوسف)


وفي هذا إخلال بشروط التعاقد مع الأب الذي أذن بخروج يوسف بعد أن قالوا:

أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ .....(12)
(سورة يوسف)


وقالوا:

......وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)(سورة يوسف)

وقالوا:

....وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)
(سورة يوسف)


فهل أخذتموه معكم ليرتع ويلعب، ويأكل من ثمار الأشجار والفاكهة؛ وتحفظونه، أم ليحفظ لكم متاعكم وأنتم تستبقون. وهذا أول الكذب الذي كذبوه؛ وهذه أول مخالفة لشرط إذن والده له بالخروج معكم؛ ولأن "المريب يكاد يقول خذوني" نجدهم قد قالوا:

.....
فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)
(سورة يوسف)


أو: أنهم قالوا ذلك لأنهم يعلمون أن والدهم لن يصدقهم مهما قالوا. ونعلم أن "آمن" إما أن تتعدى إلى المفعول بنفسها مثل "آمنه الله من الجوع"، أو قوله الحق:

....
وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
(سورة قريش)


أو: تجئ بالباء، ويقال "آمن به" أي: صدق واعتقد.
أو: يقال "آمن له" أي: صدقه فيما يقول.
وهم هنا يتهمون أبهم أنه متحد لهم، حتى ولو كانوا صادقين، وهم يعلمون أنهم غير صادقين؛ ولكن جاءوا بكلمة الصدق ليداروا كذبهم.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك

وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)