يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)

وكلمة "صاحب" معناها ملازم؛ والجامع بين يوسف والسجينين هو السجن، ونحن نقول "فلان صاحب الدراسة" أو "صاحب حج"، الشيء الذي يربط بين اثنين أو أكثر، إما أن تنسبه للمكان، أو تنسبه إلى الظرف الذي جمع بين تلك المجموعة من الصحبة. وطرح يوسف السؤال:

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)
(سورة يوسف)


وحين تطرح سؤالاً عبر مقابل لك، فأنت تعلم مقدماً أنه يفهم أن أرباباً متفرقون ليسوا خيراً من إله واحد، وكأن يوسف قد وثق من أن إجابتهما لن تكون إلا بقولهم "بل عبادة إله واحد خير". وهو لم يكن ليسأل إلا إذا عرف أنهما سيديران كل الأجوبة؛ فلا يجدان جواباً إلا الجواب الذي أراده. فهما قد عبدا آلهة متعددة؛ وكان المفروض في مقاييس الأشياء أن تغنيكم تلك الآلهة عن اللجوء لمن يعبد الإله الواحد. إذن: في قوى البشر نجد التعدد يثري ويضخم العمل، لكن في الألوهية نجد الشرك يضعف العمل. ولذلك نجد الصوفي يقول: اعمل لوجه واحد يكفيك كل الأوجه. ولذلك قال يوسف عليه السلام لصاحبي السجن:

... أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ ... (39)
(سورة يوسف)


ولو كان تفرقهم تفرق ذوات لكانوا بلا كمال يستحقون من أجله العبادة، ولو كان تفرقهم تفرق تكرار لما كان لهذا التكرار لزوم، ولو كان تفرقهم تفرق اختصاصات، فهذا يعني أن لكل منهم نقطة قوة ونقاط ضعف؛ وتفرقهم هذا دليل نقص. لذلك رحمنا الحق نحن المؤمنين به لنعبد إلهاً واحداً، فقال:

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)
(سورة الزمر)


وقد حاول يوسف عليه السلام أن يهديهم إلى عباد الإله الواحد، وقال لهم من بعد ذلك ما جاء به الحق سبحانه:

مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)