وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)

وكان الذي نجا من السجينين يسمع مقالة الملك ورد الملأ؛ فاسترجع بذاكرته ما مر عليه في السجن، وكيف رأى الرؤيا، وكيف قام يوسف بتأويلها. وقوله:

... وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ...(45)
(سورة يوسف)


يعني: أنه أجهد عقله وذهنه؛ وافتعل التذكر لأن فترة لا بأس بها من الزمن قد مرت، وكلمة "أمة" تعني فترة من الزمن؛ كما في قول الحق تبارك وتعالى:

وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)
(سورة هود)


و"الأمة" قد يراد بها الجماعة من الناس، ويراد بها أيضاً الرجل الجامع لكل صفات الخير، كما قال الحق سبحانه في وصف إبراهيم عليه السلام:

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
(سورة النحل)


أي: أن كل خصال الخير مجموعة في إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام، وبعد أن افتعل ساقي الملك واجتهد ليتذكر ما حدث له منذ فترة هي بضع سنين؛ أيام أن كان سجيناً ورأى رؤيا منامية أولها له يوسف، قال الساقي للملأ وللملك عن تلك الرؤيا:

.... أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)
(سورة يوسف)


وبذلك استأذن ليذهب إلى من يؤول له رؤيا الملك. وقوله:

... فَأَرْسِلُونِ (45)
(سورة يوسف)


يعني أن التأويل ليس من عنده؛ بل هو يعرف من يستطيع تأويل الرؤى. ونلحظ أن القرآن لم يحمل على لسان هذا الرجل: إلى من سوف يذهب؛ لأن ذلك معلوم بالنسبة له ولنا، نحن الذين نقرأ السورة.
وانتقل القرآن من طلب الإرسال إلى لقاء يوسف عليه السلام؛ فيقول الحق سبحانه ما جاء على لسان ساقي الملك

يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)