وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)

وهكذا كان تمكين الله ليوسف عليه السلام في الأرض، بحيث أدار شئون مصر بصورة حازمة؛ عادلة؛ فلما جاء الجدب؛ لم يأتها وحدها؛ بل عم البلاد التي حولها. بدليل أن هناك أناساً من بلاد أخرى لجئوا يطلبون رزقهم منها؛ والمثل: إخوة يوسف الذين جاءوا من الشام يطلبون طعاماً لهم ولمن ينتظرهم في بلادهم، فهذا دليل على أن رقعة الشدة كانت شاسعة. وقول الحق سبحانه:

وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ .....(56)
(سورة يوسف)


نفهم منه أنه جعل لنفسه بيتاً في أكثر من مكان؛ ولا يظنن ظان أن هذا لون من اتساع أماكن الترف. لكن: لماذا لا ننظر إليها بعيون تكشف حقيقة رجال الإدارة في بعض البلاد؛ فما أن يعلموا بوجود بيت للحاكم في منطقة ما؛ وقد يزوره؛ فهم يعتنون بكل المنطقة التي يقع فيها هذا البيت.
وهذا ما نراه في حياتنا المعاصرة، فحين يزور الحاكم منطقة ما فهم يعيدون رصف الشوارع؛ ويصلحون المرافق؛ وقد يحضرون أصص الزرع ليجملوا المكان. فما بالك إن علموا بوجود بيت للحاكم في مكان ما؟ لابد أنهم سيوالون العناية بكل التفاصيل المتعلقة بالمرافق في هذا الموقع. إذن: فقول الحق سبحانه هنا عن يوسف عليه السلام:

... يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ....(56)
(سورة يوسف)


يعني: شيوع العناية بالخدمات لكل الذين يسكنون في هذا البلد؛ فلا تأخذ الأمر على أنه ترف وشرف، بل خذ هذا القول على أنه تكليف سينتفع به المحيطون، سواء كانوا مقصودين به أو غير مقصودين. وتلك لقطة توضح أن التبوء حيث يشاء ليس رحمة به فقط؛ ولكنه رحمة بالناس أيضاً. ولذلك يقول الحق سبحانه في نفس الآية:

..... نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ .....(56)
(سورة يوسف)


فمن كان يحيا بلا مياه صالحة للشرب ستصله المياه النقية؛ ومن كان يشقى من أجل أن يعيش في مكان مريح ستتحول المنطقة التي يسكن فيها إلى مكان مريح به كل مستلزمات العصر الذي يحيا فيه.
فيوسف الممكن في الأرض له مسكن مجاور له؛ وسيجد العناية من قبل الجهاز الإداري حيثما ذهب، وتغمر العناية الجميع، رحمة من الله له، وللناس من حوله. وينهي الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله:

.... وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)
(سورة يوسف)


والمحسن هو الذي يصنع شيئاً فوق ما طلب منه.
وهنا سنجد الإحسان ينسب ليوسف؛ لأنه حين أقام لنفسه بيتاً في أكثر من مكان؛ فقد أحسن إلى أهل الأمكنة التي له فيها بيوت؛ بارتفاع مستوى الخدمة في المرافق وغيرها. وسبحانه يجازي المحسنين بكمال وتمام الأجر، وقد كافأ يوسف عليه السلام بالتمكين مع محبة من تولى أمرهم. ويتابع الحق سبحانه:

وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)