وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)

وقد عرفهم يوسف؛ لكنهم لم يعرفوه، فقد ألقوه في الجب صغيراً؛ ومرت رحلته في الحياة بعد أن عثر عليه بعض السيارة؛ وباعوه لعزيز مصر، لتمر به الأحداث المتتابعة بما فيها من نضج جسدي وحسن فائق، ومراودة من امرأة العزيز، ثم سنوات السجن السبع. ولكل حدث من تلك الأحداث أثر على ملامح الإنسان؛ فضلاً عن أنهم جاءوه وهو في منصبه العالي، بما يفرضه عليه من وجاهة في الهيئة والملبس.
أما هو فقد عرفهم؛ لأنه قد تركهم وهم كبار، وقد تحددت ملامحهم، ونعلم أن الإنسان حين يمر عليه عقد من الزمان؛ فهذا الزمن قد يزيد من تحديد ملامحه، إذا ما كان كبيراً ناضجاً، لكنه لا يغيرها مثلما يغير الزمن ملامح الطفل حين يكبر ويصل إلى النضج.
والذي دفعهم إلى المجيء هو القحط الذي لم يؤثر على مصر وحدها؛ بل أثر أيضاً على المناطق المجاورة لها. وذاع أمر يوسف عليه السلام الذي اختزن الأقوات تحسباً لذلك القحط؛ وقد أرسلهم أبوهم ليطلبوا منه الميزة والطعام، ولم يتخيلوا بأي حال أن يكون من أمامهم هو أخوهم الذي ألقوه في الجب. ويقول الحق سبحانه:

وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59)