فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70)

أي: أن يوسف عليه السلام قد قام بصرف الميرة لهم، كما سبق أن وعدهم، وكما سبق أن جهزهم في المرة السابقة؛ وأراد أن يبقي أخاه معه في مصر؛ ولكن كيف يأخذه من إخوته ليبقيه معه؛ وقد أخذ أبوهم ميثاقاً عليهم ألا يضيعوه، وألا يفرطوا فيه، كما فعلوا مع أخيه من قبل؟
إذن: لابد من حيلة يستطيع بها أن يستبقي بها أخاه معه، وقد جند الله له فيها إخوته الذين كانوا يعادونه، وكانوا يحقدون عليه وعلى أخيه. وجاءت هنا حكاية صواع الملك، التي يشرب فيها الملك، وتستخدم كمكيال، وجعلها في رحل أخيه.
وكلمة "السقاية" تطلق إطلاقات متعددة من مادة "سقى" أي: "السين" و"القاف" و"الياء"، فتطلق على إسقاء الناس والحجيج الماء. والقرآن الكريم يقول:

أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ .....(19)
(سورة التوبة)


فكان معنى السقاية أيضاً هو المكان الذي يوضع فيه الماء ليشرب منه الناس. أو: تطلق "السقاية" على الآلة التي يخرج بها الماء للشاربين. وهنا تطلق كلمة "السقاية" على الإناء الذي كان يشرب به الملك، ويستخدم كمكيال، وهذا دليل على نفاسة المكيل.
وتطلق أيضاً كلمة "صواع" على مثل هذه الأداة التي يشرب منها، أو يرفع بها الماء من المكان إلى فم الشارب؛ وأيضاً يكال بها؛ ومفردها "صاع". ويقول الحق سبحانه هنا عن حيلة يوسف لاستبقاء أخيه معه:

...جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ....(70)
(سورة يوسف)


أي: أمر بعضاً من أعوانه أن يضعوا "السقاية" في رحل أخيه، و"الرحل": هو ما يوضع على البعير، وفيه متاع المسافر كله. وبعد أن ركب إخوة يوسف جمالهم استعداداً للعودة إلى الشام؛ وقعت المفاجأة لهم؛ والتي يقول عنها الحق سبحانه:

.... ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70)
(سورة يوسف)


أي: يا أصحاب تلك العير أنتم سارقون. والسرقة فعل قبيح حينما يترتب عليها جزاء يوقع على السارق، والمسروق هو شيء ثمين. وفيما يبدوا أن هذه الحيلة تمت بموافقة من "بنيامين" ليمكث مع أخيه يوسف حتى يحضر أبواه إلى مصر.
ولسائل أن يقول: وكيف رضى بنيامين بذلك، وهو أمر يزيد من حزن يعقوب؟ وكيف يتهم يوسف إخوته بسرقة لم يرتكبوها؟ أقول: انظروا إلى دقة القرآن، ولنحسن الفهم عنه؛ لنرى أن حزن يعقوب على فقد يوسف قد غلبه؛ فلن يؤثر فيه كثيراً فقد بنيامين. ودليل ذلك أن يعقوب عليه السلام حين عاد أبناؤه وأخبروه بحكاية السرقة؛ واستبقاء بنيامين في مصر قال:

....َ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ .....(84)
(سورة يوسف)


ولم يذكر يعقوب بنيامين. وأما عن اتهامهم بالسرقة؛ فالآية هنا لا تحدد ماذا سرقوا بالضبط، وهم في نظر يوسف قد سرقوه من أبيه، وألقوه في الجب. وهنا يأتي الحق سبحانه بموقف إخوة يوسف عليه السلام

قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71)