قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)

والتثريب هو اللوم العنيف، وهو مأخوذ من الثرب؛ فحين يذبحون ذبيحة، ويخرجون أمعاءها يجدون حول الأمعاء دهناً كثيفاً؛ هذا الدهن يسمى ثرب. أما إن كانت هزيلة، ولم تتغذ جيداً، فأمعاؤها تخرج وقد ذاب من عليه هذا الثرب.
والتثريب يعني: أن اللوم العنيف قد أذاب الشحم من لحمه، وجعل دمه ينز، ويكاد أن يصل بالإنسان إلى أن ينزل به ويسله.

<وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجدلها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها، ولو بحبل من شعر">
أخرجه مسلم فى صحيحه من حديث أبى هريرة رضى الله عنه

أي: لا يقولن لها: يا من فعلت كذا وكذا، بل فليعاقبها بالعقاب الذي أنزله الله لمثل هذه الجريمة؛ فإن لم ترتدع عن الفعل فليبعها، وهكذا نفهم أن التثريب أو اللوم العنيف قد يولد العناد. وقال يوسف عليه السلام:

..........الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)
(سورة يوسف)


ولقائل أن يتساءل: ولماذا قال يوسف ذلك؛ وقد يكونون قد استغفروا الله من قبل؟ ونقول: إن دعوة يوسف بالمغفرة لهم جاءت في حدود معرفته ولتصفية النفوس مما شابها بهذا اللقاء. وقوله:

...........وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)
(سورة يوسف)


هو فهم لحقيقة أن أي رحمة في العالم، أو من أي أحد إنما هي مستمدة من رحمته سبحانه. وقد قال يوسف ذلك وهو واثق من إجابة دعوته، لأنه قد غفر لهم خطأهم القديم وعفا عنهم؛ والله أولى منه بالعفو عنهم.
ثم يعود الحديث بينه وبينهم إلى والدهم، فيقول الحق سبحانه ما جاء على لسان يوسف لأخوته، وهو الذي علم ما حدث لأبيه بعد فراقه له