وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)

و"فصلت" تدل على شيء كان ملتصقاً بشيء آخر وانفصل عنه، وفصلت العير. أي: خرجت من المدينة وتجاوزتها؛ لتسير في رحلتها، والمقصود خروج القافلة من حدود مصر قاصدة مكان يعقوب عليه السلام.
وهنا قال يعقوب لمن كانوا حاضرين معه من الأحفاد وأبناء الأبناء:

.......إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ..... (94)
(سورة يوسف)


والمعروف أن القميص الذي أرسله مع أخيه الأكبر يحمل رائحة يوسف، لكن الذين حول يعقوب من أقربائه لم يصدقوا قوله، فأضاف:

........... لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)
(سورة يوسف)


أي: لولا اتهامكم لي بالخرف، لأن التفنيد هو الخرف. ومن العجيب أننا في أيامنا هذه نجد العلم وقد أثبت أن صور المرائي والأصوات، توجد لها آثار في الجو، رغم ما يخيل للإنسان أنها تلاشت.
ويحاول العلم بوسائل من الأشعة أن يكشف صورة أي جماعة كانت تجلس في مكان ما، ثم رحلت عنه منذ ساعة أو ساعتين، مما يدل على أن الصور لها نضح من شعاع وظلال يظل بالمكان لفترة قبل أن يضيع.
وكذلك الأصوات؛ فالعلماء يحاولون استرداد أصوات من رحلوا؛ ويقولون: لا شيء يضيع في الكون، بل كل ما وجد فيه محفوظ بشكل أو بآخر. والرائحة أيضاً لا تضيع، بدليل أن الكلب يشم الريح من على مسافات بعيدة، ويميز الآن المخدرات من رائحتها؛ ولذلك تنتشر الكلاب المدربة في المطارات وعلى الحدود؛ لتكشف أي محاولة لتهريب المخدرات.
وإذا كان الحيوان المخلوق بقدرة الله قادراً على التقاط الرائحة من بين آلاف الروائح، وإذا كان العلم الموهوب من الله للبشر؛ يبحث الآن في كيفية استحضار الصورة واسترداد الصوت من الفضاء المحيط بالإنسان؛ فعلينا أن ندرك أن العير عندما خرجت من أسوار المدينة؛ وأخذت طريقها إلى الموقع الذي يعيش فيه يعقوب عليه السلام؛ استطاع يعقوب بقدرة الله أن يشم رائحة يوسف؛ تلك التي يحملها قميصه القادم مع القافلة.
ولسائل أن يقول: ولماذا ارتبط تنسم يعقوب لرائحة يوسف بخروج العير من مصر، وتواجدها على الطريق إلى موطن يعقوب؟
نقول: لأن العير لحظة تواجدها في المدينة تكون رائحة قميص يوسف مختلطة بغيرها من الروائح؛ فهناك الكثير من الروائح الأخرى داخل أي مدينة، ويصعب نفاذ رائحة بعينها لتغلب على كل الروائح؛ ويختلف الأمر في الخلاء؛ حيث يمكن أن تمشي هبة الرائحة دون أن يعترضها شيء.
وبذلك نؤمن أن كل شيء في الكون محفوظ ولا يضيع؛ مصداقاً لقوله تعالى:

وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)
(سورة الانفطار)


وكل ما يصدر منك مسجل عليك؛ ولذلك يأتيك كتابك يوم القيامة لتقرأه، وتكون على نفسك حسيباً. ويرد من بقى من أهل يعقوب معه على قوله بأنه يجد ريح يوسف: